طالب ـ رضي الله عنه (١) ـ قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) دعاني رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : «يا عليّ ، إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، وضقت بذلك ذرعا ، وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمت عليها حتى جاءني جبريل فقال : يا محمد ، إلّا تفعل ما تؤمر يعذبك ربك ، فاصنع لنا صاعا من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عسّا (٢) من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به». ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا ، يزيدون رجلا أو ينقصونه ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وأبو لهب ، فلما اجتمعوا دعاني بالطعام الذي صنعت ، فجئت به ، فلما وضعته تناول رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ جذبة (٣) من اللحم ، فشقها بأسنانه ، ثم ألقاها في نواحي الصحفة ، ثم قال: خذوا باسم الله ، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة ، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم ، ثم قال : اسق القوم. فجئت بذلك العسّ فشربوا حتى رووا جميعا ، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلما أراد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يكلمهم بدره (٤) أبو لهب فقال : سحركم صاحبكم. فتفرق القوم ، ولم يكلمهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : الغد يا علي ، إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فأعدّ لنا من الطعام مثل ما صنعت ثم اجمعهم ففعلت ، ثم دعاني بالطعام فقدمته ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا وشربوا ، ثم تكلم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : يا بني عبد المطلب : إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني (٥) على أمري ويكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم (٦) القوم عنها جميعها ، فقلت وأنا أحدثهم سنّا : أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه ، قال : فأخذ برقبتي ثم قال : إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع (٧).
__________________
(١) في ب : كرم الله وجهه.
(٢) العسّ : القدح الضخم ، وقيل : هو أكبر من الغمر ، وهو إلى الطول ، يروي الثلاثة والأربعة والعدّة ، والرّفد أكبر منه والجمع عساس وعسسة. اللسان (عسس).
(٣) الجذبة : القطعة. ففي اللسان (جذب) : يقال : بيني وبين المنزل جذبة أي : قطعة ، يعني : بعد ، ويقال : جذبة من غزل ، للمجذوب منه مرة.
(٤) بدرت إلى الشيء أبدر بدورا : أسرعت ، وكذلك بادرت إليه ، وتبادر القوم أسرعوا ، وابتدروا السلاح : تبادروا إلى أخذه ، وبادر الشيء مبادرة وبدارا وابتدره وبدر غيره إليه يبدره : عاجله ، وبدرني الأمر وبدر إليّ : عجل إليّ واستبق. اللسان (بدر).
(٥) وازره على الأمر : أعانه وقواه. اللسان (وزر).
(٦) أحجم عن الأمر : كف أو نكص هيبة. اللسان (حجم).
(٧) أخرجه ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي. انظر البغوي ٦ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، الدر المنثور ٥ / ٩٧.