بشأن بعثة خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله ، فإنّ الحجّة إذا قامت على أهل الكتاب بشهادة من الله تعالى وشهادة الملائكة ووجب عليهم الإيمان ، فبالأولى تقوم على غيرهم ، وبعد ظهور صدق التسوية فإنّه تصحّ دعوة الناس كافّة الى الرسول والى ما انزل إليه ، ثمّ يوجّه الخطاب الى أهل الكتاب مرّة اخرى ؛ ليكفّوا عن انحرافاتهم ، ويخاطب النصارى منهم بالخصوص لنبذ الغلو في دينهم ويلحقوا بالموحّدين ويؤمنوا بالرسول صلىاللهعليهوآله وبالرسل جميعا على استقامة ، ويقرّوا بعيسى عليهالسلام بما أقرّوا به في غيره من الأنبياء والرسل عليهمالسلام بأنّهم عباد الله ورسله الى خلقه. ويقيم الحجّة على بطلان ما اعتقدوه في عيسى عليهالسلام بأسلوب واضح رصين.
ويختم عزوجل الآيات المباركة بنداء ربوبي رقيق للناس جميعا بالإيمان بالله جلّ شأنه والاعتصام به ، فإنّه عزوجل سيدخلهم في رحمة منه وفضل ، ويهديهم الى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة.
ومن الإعجاز القرآني أنّ هذا النداء الربوبي يشتمل على أسلوب رقيق يحبّب الإيمان الى قلوب الناس ، بعد تلك الجولة الطويلة مع المؤمنين والزائغين والكافرين.
وممّا زاد في تأثير هذا النداء أنّه يتضمّن الوعد فقط ، ولم يذكر فيها جزاء الكافرين ؛ لأنّه نداء التحبّب والعطف ، وليس نداء الإنذار والعنف ، ومن حسن الختام أنّه كان في آخر هذه السورة.
وقد نزل في ختام تلك الجولة الطويلة الّتي كانت مع الناس وتناولت العقيدة والإيمان والسلوك والمشاعر ، وقد اشتملت على جميع سبل التربية الإسلاميّة لأهمّ قضية في حياة الإنسان ، وهي قضية الإيمان بالله تعالى وما يترتّب عليها من المقتضيات.
فكانت هذه السورة من أمهات السور القرآنيّة الّتي تناولت العقيدة بجميع جوانبها بأحسن أسلوب وأتمّ وجه ، فاشتملت على جميع التوجيهات الّتي تعدّ الامة المؤمنة لتحمل الأمانة الكبرى.