المعاصي والآثام ، فإنّ في بعضها تكفي التوبة الجامعة للشرائط والإنابة الى الله تعالى ، وفي بعضها التوبة والإصلاح ، وفي بعضها الاعتصام بالله تعالى والإخلاص في الدين. ولا يكفي واحدا منهما للرجوع عن النفاق والدخول في جماعة المؤمنين ونيل جزاءهم ، وهذا يدلّ على أنّ النفاق أسوء بكثير من المعاصي وسائر الصفات الرذيلة والملكات السيئة ، بل الكفر الصريح الّذي اكتفى فيه عزوجل بالإيمان والعمل الصالح ، قال عزوجل : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) [سورة التوبة ، الآية : ١١] ، ولعلّ الوجه في ذلك أنّ الكافر مستقيم الفطرة لكنّه على قاعدة منحرفة ، فإذا أزال المانع ورجع الى الدين الحقّ اكتفي منه بالإيمان والالتزام بلوازمه ، بخلاف النفاق الّذي له منبت عميق في القلب وجذور متشعّبة في النفس ، ممّا يوجب اختلال الفطرة المستقيمة ، فيتكون للمنافق تركيبة سيئة مضطربة لم تقم على قاعدة وهي في غاية السوء ، بخلاف بقية المعاصي ؛ لأنّ في جميعها لم تضطرب الفطرة ، ولأجل ذلك النفاق احتاج الى إصلاح كثير وجهاد مرير مع النفس يرجع المنافق الى رشده ويصلح نفسه حتّى يستقيم طبعه ، فلم تكن هذه الشروط لتهويل الأمر وبيان فظاعة النفاق وشدّة أثره في النفس والفطرة فحسب ؛ لأنّ لكلّ شرط أثرا مختصّا به في الإصلاح والتربية ، فأوّل تلك الشروط هو التوبة بالرجوع الى الله تعالى والعزم على ترك النفاق ، والندم على ما صدر منه.
وهذا الشرط هو القاعدة العريضة الّتي تبتني عليها التوبة عن جميع الذنوب والآثام ، وتقدّم في بحث التوبة ما يتعلّق بها ، وذكرنا أنّ التوبة بالمعنى المعروف الّذي سبق ذكره ممّا له الأثر النفسي والتربوي في المذنبين النادمين والعازمين على ترك المعاودة مع التدارك بما أمكنه من الأعمال الحسنة كما مرّ.
قوله تعالى : (وَأَصْلَحُوا).
وهو الشرط الثاني ، أي الإصلاح الّذي يقترن بالتربية وترويض النفس وقهرها على العمل بأحكام الله تعالى ، فإنّ النفاق أفسد النيات والأحوال