والسبب في ذلك أنّ الخديعة والمكر إنّما يستعملان في الشرور والمعاني المذمومة غالبا ، وقد عبّر عنها في فعله عزوجل وسنّته في خلقه فيهم مخادعة ؛ لأنّهم أوقعوا أنفسهم في ما يضلّون به أنفسهم وينتهي بهم الى العقاب والنكال.
أو المراد أنّ الله تعالى هو مخادعهم في تركهم معصومي الدماء ولم يمنعهم ولم يعجّل على أعمالهم الشنيعة ، فكان ذلك خدعة منه عزوجل لهم كما أرادوا خديعته تعالى ، وقد تقدّم ما يتعلّق بذلك في سورة البقرة فراجع.
و (خادع) اسم فاعل من الثلاثي ، ومثل هذا الوزن يدلّ على الغلبة والمغالبة ، أي أنّ الله تعالى يغلبهم في آخر المطاف مهما توغّلوا في الخديعة ، فيجعل وبال خداعهم عليهم لا لهم.
قوله تعالى : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى).
كسالى [بضم الكاف] جمع كسلان ، وقرئ [بفتحها] بمعنى المتثاقل عمّا ينبغي النشاط فيه ، أو الفتور في مورد القوّة ، ومنه قوله صلىاللهعليهوآله : «ليس في الإكسال إلّا الطهور» ، أي : جماع الرجل زوجته ثمّ يدركه فتور فلم ينزل ، وفي كتاب العين : «كسل الفحل إذا فتر عن الضّراب».
والآية المباركة تشير إلى صفة اخرى من صفات المنافقين ، وهي تدلّ على أنّ قيامهم ببعض الشعائر تثاقلا كالمكره على الفعل ليراءوا الناس أنّهم من أهل الإيمان ، فإنّ مجرّد دعواهم أنّهم منهم لا تكفي في مجتمع المؤمنين الّذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فلا بدّ من قيامهم ببعض الشعائر لا عن عقيدة بها ، بل لأجل إراءة أنفسهم الى الناس أنّهم من المؤمنين خديعة وتغريرا بالمؤمنين ، ولو لا ذلك لما أمكنهم الوقيعة بهم وإعمال كيدهم فيهم.
قوله تعالى : (يُراؤُنَ النَّاسَ).
أي : أنّ قيامهم بالصلاة إنّما هو لأجل أن يراهم الناس المؤمنين حتّى يعدوهم منهم فيتمكّنوا من إعمال كيدهم فيهم.