(ومنها) قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) بناء على ان بعث الرسول كناية عن بيان التكليف لانه يكون به غالبا كما فى قوله لا ابرح من هذا المكان حتى يؤذّن المؤذّن كناية عن دخول الوقت أو عبارة عن البيان النقلى ويخصص العموم بغير المستقلات أو يلتزم بوجوب التأكيد وعدم حسن العقاب الا مع اللطف بتأييد العقل بالنقل وان حسن الذم بناء على ان منع اللطف يوجب قبح العقاب دون الذم كما صرح به البعض وعلى اى تقدير فيدل على نفى العقاب قبل البيان وفيه ان ظاهره الاخبار بوقوع التعذيب سابقا بعد البعث فيختص بالعذاب الدنيوى الواقع فى الامم السابقة.
(اقول) ان مجرى البراءة لما كان مختصا بما لا بيان فيه اصلا وكان الحكم العقلى بيانا ايضا كالنقلى احتيج الى التصرف فى ظاهر الآية الشريفة المفيدة للبيان النقلى (نعم) لو قيل بعدم حجية حكم العقل وعدم التلازم بينه وحكم الشرع او عدم حسن العقاب الا بالتأكيد الذى يرجع الى عدم حجية حكم العقل بنوع من الاعتبار لم يحتج الى التصرف فى الآية.
(واما التصرف) فيها فمن وجوه (الاول) تعميم الرسول لما يشمل العقل بناء على بعث الرسول كناية عن بيان التكاليف والاحكام لانه يكون به غالبا وإلّا فمجرد ارسال الرسل لا يصحح العذاب قطعا(الثانى) ان تبقى الآية على ظاهرها وتخصيصها بغير المستقلات العقلية من جهة ما دل على اعتبار حكم العقل (الثالث) ان تبقى الآية على ظاهرها من ارادة البيان النقلى والالتزام بوجود التأكيد وعدم حسن العقاب إلّا مع اللطف بتأييد العقل بالنقل وان حسن الذم بناء على ان منع اللطف يوجب قبح العقاب دون الذم كما صرح به البعض.
(فالاوجه) فى التصرفات المذكورة تخصيص الآية بغير المستقلات العقلية مع بقاء الرسول على ظاهره وعلى اىّ تقدير من التصرفات المتقدمة تدل الآية الشريفة على نفى العقاب قبل البيان.