(ومنها) قوله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) وفى دلالتها تأمل ظاهر ويرد على الكل ان غاية مدلولها عدم المؤاخذة على مخالفة النهى المجهول عند المكلف لو فرض وجوده واقعا فلا ينافى ورود الدليل العام على وجوب اجتناب ما يحتمل التحريم ومعلوم ان القائل بالاحتياط ووجوب الاجتناب لا يقول به الا عن دليل علمى وهذه الآيات بعد تسليم دلالتها غير معارضة لذلك الدليل بل هى من قبيل الاصل بالنسبة اليه كما لا يخفى.
(ان الآية الشريفة) نزلت فى بيان قصة غزوة بدر ونصرة المسلمين فيها كما يشهد به السياق فبملاحظة مورد النزول يحتمل ان يكون المراد من الهلاكة الكفر الذى يوجب الهلاك الدائم والمراد بالحياة الاسلام وبالبينة المعجزة الدالة على صدق الرسول (ص) فالمعنى ليكون كفر من كفر عن وضوح بينة وعلم لا عن شبهة حتى لا يبقى له على الله حجة ويكون ايمان من آمن بالله ورسوله (ص) عن برهان ويقين ليستقر فى دينه وعلى كل تقدير لا تدل الآية على نفى المؤاخذة على الحكم المشتبه غاية الامر كونها مشعرة بذلك ليس ببعيد.
(قال فى الفصول) فى تقريب الاستدلال بها ما لفظه فان قضية تخصيص الهلاك والحياة بصورة وجود البينة نفيهما عند انتفائها وقضية ذلك نفى الوجوب والحرمة واخويهما حينئذ على اشكال فى دلالته على نفى الكراهة انتهى.
(قوله وفى دلالتها تأمل ظاهر) قيل لعل وجه التأمل ان المراد من الهلاك فى الآية ليس هو العذاب كى تكون من ادلة البراءة كما زعم صاحب الفصول بل هو الموت اى ليموت من مات عن بينة ويعيش من عاش عن بينة فتكون الآية اجنبية عن المقام.
(قال الطبرسى) اعلى الله مقامه فى تفسير الآية ما ملخصه ثم بين سبحانه وتعالى نصرته للمسلمين ببدر فقال سبحانه (اذ انتم) ايها المسلمون (بالعدوة الدنيا) اى بشفير الوادى الاقرب الى المدينة(وهم) يعنى المشركين (بالعدوة القصوى) اى بالشفير الاقصى