المجلس الخمسون
لمّا كان يوم عاشوراء وزحف أهل الكوفة لقتال الحسين (ع) ، تقدّم الحسين (ع) حتّى وقف بإزاء القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم السّيل ، ونظر إلى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة ، فحمد الله وأثنى عليه وذكَره بما هو أهله ، وصلّى على النّبي محمّد (ص) وعلى الملائكته والأنبياء والرُّسل ، وقال ما لا يحصى كثرة ، فلم يُسمع متكلّم قط قبلَه ولا بعدَه أبلغ في المنطق منه.
لهُ منْ عليٍّ في الحُروبِ شَجاعةٌ |
|
ومنْ أحمدٍ عندَ الخِطابةِ قِيلُ |
فكان ممّا قال : «الحمد لله الذي خلق الدّنيا فجعلها دار فناء وزوال ، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور مَنْ غرّته والشقيّ مَنْ فتنته ، فلا تغرّنكم هذه الدّنيا ؛ فإنّها تقطع رجاء مَنْ ركن إليها وتخيب طمع مَنْ طمع فيها. وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم ، وأعرض بوجهه الكريم عنكم ، وأحلّ بكم نقمتة وجنّبكم رحمته ، فنعم الربّ ربّنا وبئس العبيد أنتم! أقررتم بالطّاعة وآمنتم بالرسول محمّد (ص) ، ثمّ إنّكم زحفتم إلى ذرّيّته وعترته تريدون قتلهم ، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم ، فتبّاً لكم ولِما تريدون. إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم ، فبُعداً للقوم الظالمين». فقال ابن سعد : ويلكم! كلّموه فإنّه ابن أبيه. والله ، لَو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً ، لما انقطع ولما حصر. فتقدّم شمر فقال : يا حسين ، ما هذا الذي تقول؟ أفهمنا حتّى نفهم. فقال : «أقول : اتّقوا الله ربّكم ولا تقتلوني ؛ فإنّه لا يحلّ لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي ؛ فإنّي ابن بنت نبيّكم ، وجدّتي خديجة زوجة نبيّكم ، ولعلّه بلغكم قول نبيّكم : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة». ثمّ قال : «أمّا بعد ، فانسبوني وانظروا مَن أنا ، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يصلح ويحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأول المؤمنين بالله