قتلتَ رجُلاً من باهلة ، لقتلتُك». وقيل لرجل : أيسرّك أنْ تدخل الجنّة وأنت باهلي؟ قال : بشرط أنْ لا يعلم أهلُها بذلك. وكانت باهلة مع ذلك منحرفة عن أهل البيت عليهمالسلام ، مواليه لبني اُميّة ، كما كانت ربيعة مع شرفها من القبائل الموالية لأمير المؤمنين (ع) ، وأبلت معه بصفّين بلاءً حسناً. ومسلم بن عمرو الباهلي أبو قتيبة هو الذي قال لمسلم بن عقيل ما قال ، حين اُتي بابن عقيل أسيراً إلى ابن زياد بالكوفة ؛ وذلك أنّ مسلماً لمّا اُسر بالكوفة بعد محاربته مع ابن الأشعث ، حُمل إلى ابن زياد ، فلمّا وصل إلى باب القصر وقد اشتدَّ به العطش ، وعلى باب القصر ناس جلوس فيهم عمرو بن حريث ، ومسلم بن عمرو الباهلي ، وإذا قلّةٌ فيها ماء بارد ، قال مسلم بن عقيل : اسقوني من هذا الماء. فقال له مسلم بن عمرو الباهلي : أتراها ما أبردها؟ لا والله ، لا تذوق منها قطرة حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم. فقال له مسلم بن عقيل : ويلك! مَن أنت؟ قال : أنا الذي عرف الحقّ إذ أنكرته ، ونصح لإمامه إذ غششته ، وأطاعه إذ خالفته ؛ أنا مسلم بن عمرو الباهلي. فقال له ابن عقيل : لاُمّك الثّكل! ما أجفاك وأفظّك وأقسى قلبك! أنت يابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم منّي. ثمّ جلس فتساند إلى الحائط ، وبعث عمرو بن حريث غلامه فأتاه بقلّة عليها منديل وقدح ، فصب فيه ماءً فقال له : اشرب. فأخذ كلمّا شرب امتلأ القدح دماً من فمه ، فلا يقدر أنْ يشرب ـ وكان قد ضربه بكر بن حمران بالسّيف على فمه فقطع شفته العليا ، وأسرع السّيف في السّفلى ، وفُصلت لها ثنيّتان ـ ففعل ذلك مرّة أو مرّتين ، فلمّا ذهب في الثّالثة ليشرب ، سقطت ثناياه في القدح ، فقال : الحمد لله ، لو كان لي من الرّزق المقسوم لشربته.
يا مُسلمُ بنَ عقيلٍ لا أغبَّ ثرَى |
|
ضريحِكَ المُزنُ هطّالاً وهتّانا |
بذلتَ نفْسكَ في مرضاةِ خالِقِها |
|
حتّى قضيتَ بسيفِ البغْي ظمْآنا |
كأنَّما نفسُك اختارتْ لها عَطشاً |
|
لمّا دَرتْ أنْ سيقضِي السِّبطُ عطْشَانا |
فلَمْ تُطقْ أنْ تسيغَ الماءَ عن ظمأٍ |
|
منْ ضربةٍ ساقها بكرُ بنُ حمرانا |