مع تجويزه الخيبة (١). فإن قيل : كيف جاء بسين التسويف؟
فالجواب : عدة لأهله أنه (٢) يأتيهم به ، وإن أبطأ ، أو كانت المسافة بعيدة (٣) ، وأدخل «أو» بين الأمرين المقصودين ، يعني الرجاء على أنه إن لم يظفر بهذين المقصودين ، ظفر بأحدهما ، إما هداية الطريق ، وإما اقتباس النار ، ثقة منه بعادة الله تعالى لأنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده (٤). (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) تستدفئون من البرد.
قوله : «نودي» في القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه :
أحدها (٥) : أنه ضمير موسى ، وهو الظاهر ، وفي «أن» حينئذ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها المفسرة ، لتقدم ما هو بمعنى القول (٦).
والثاني : أنها الناصبة للمضارع ، ولكن وصلت هنا بالماضي ، وتقدم تحقيق ذلك ، وذلك على إسقاط الخافض ، أي : نودي موسى بأن بورك (٧).
الثالث : أنها المخففة ، واسمها ضمير الشأن ، و «بورك» خبرها ، ولم يحتج هنا إلى فاصل ، لأنه دعاء (٨) ، وقد تقدم نحوه في النور ، في قوله : (أَنَّ غَضَبَ) [النور : ٩] ـ في قراءته فعلا ماضيا (٩) ـ قال الزمخشري : فإن قلت : هل يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة ، والتقدير (١٠) : بأنه بورك ، والضمير ضمير الشأن والقصة (١١)؟
قلت : لا ؛ لأنّه لا بدّ من (قد) ، فإن قلت : فعلى إضمارها؟
قلت : لا يصحّ ، لأنها علامة ، والعلامة لا تحذف (١٢) انتهى.
فمنع أن تكون مخففة لما ذكر ، وهذا بناء منه على أنّ «بورك» خبر لا دعاء ، أما إذا قلنا إنه دعاءكما تقدم في النور فلا حاجة إلى (الفاصل كما تقدم ، وقد تقدم فيه استشكال ، وهو أن الطلب لا يقع خبرا في هذا الباب ، فكيف وقع هذا خبرا ل (أن) المخففة ، وهو دعاء.
الثاني من الأوجه الأول : أنّ القائم مقام) (١٣) الفاعل نفس «أن بورك» على حذف حرف الجرّ ، أي : بأن بورك ، ف (أن) حينئذ إمّا ناصبة في الأصل ، وإمّا مخففة (١٤).
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ١٣٤ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٨١.
(٢) في ب : أنهم. وهو تحريف.
(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٣٤ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٨١.
(٤) المرجعان السابقان.
(٥) في ب : أحدهما. وهو تحريف.
(٦) انظر الكشاف ٣ / ١٣٤ ، التبيان ٢ / ١٠٠٤ ، البحر المحيط ٧ / ٥٥.
(٧) انظر التبيان ٢ / ١٠٠٤ ، البحر المحيط ٧ / ٥٥.
(٨) المرجعان السابقان.
(٩) وهي قراءة نافع. انظر السبعة (٤٥٤).
(١٠) في الكشاف : وتقديره نودي.
(١١) والقصة : ليس في عبارة الزمخشري.
(١٢) في الكشاف : لأنها علامة لا تحذف. الكشاف ٣ / ١٣٤.
(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٤) انظر البيان ٢ / ٢١٩ ، التبيان ٢ / ١٠٠٤.