«بورك» ؛ لأن معنى : نودي أن بورك (١) ، وقيل له : ألق عصاك ، والدليل على ذلك قوله : (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) ، بعد قوله : أن يا موسى إني أنا الله على تكرير حرف التفسير ، كما يقول : كتبت إليه أن حجّ واعتمر ، وإن شئت : أن حجّ وأن اعتمر (٢). قال أبو حيان : وقوله إنه معطوف على «بورك» مناف لتقديره ، وقيل له : ألق عصاك ، لأن هذه جملة معطوفة على «بورك» وليس جزؤها الذي هو معمول ، وقيل : معطوفا على «بورك» ، وإنما احتاج إلى تقدير : وقيل له : ألق ، ليكون جملة خبرية مناسبة للجملة الخبرية التي عطفت عليها ، كأنه يرى في العطف تناسب الجمل المتعاطفة. والصحيح أنه لا يشترط ذلك (٣) ، ثم ذكر مذهب سيبويه (٤).
(فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ) ، وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها (٥) ، سميت جانّا ، لأنها تستر عن الناس (٦). وقرأ الحسن ، والزهري ، وعمرو (٧) بن عبيد «جأنّ» بهمزة مكان الألف (٨) ، وقد (٩) تقدم تقرير هذا عند (وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : ٧] على لغة من يهرب من التقاء الساكنين ، فيقول شأبّة ودأبّة. (وَلَّى مُدْبِراً) هرب (١٠) من الخوف ، و (وَلَمْ يُعَقِّبْ) : لم يرجع ، يقال : عقب فلان : إذا رجع ، وكل راجع معقب.
وقال قتادة : ولم يلتفت ، فقال الله (١١) : (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ)(١٢) ، يريد : إذا أمّنتهم لا يخافون (١٣) ، وقيل : المراد إذا أمرتهم بإظهار معجز أن لا يخافوا فيما يتعلق بإظهار ذلك ، وإلا فالمرسل قد يخاف لا محالة (١٤) ، لأن الخوف الذي هو شرط الإيمان لا يفارقهم ، قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أنا أخشاكم لله» (١٥).
قوله : «تهتزّ» جملة حالية من (هاء) «رآها» (١٦) ، لأن (١٧) الرؤية بصريّة ، وقوله :
__________________
(١) في الكشاف : نودي أن بورك من في النار ، وأن ألق عصاك كلاهما تفسير لنودي ، والمعنى : قيل له : بورك من في النار.
(٢) الكشاف ٣ / ١٣٤.
(٣) البحر المحيط ٧ / ٥٦.
(٤) قال أبو حيان : (بل قوله : «وَأَلْقِ عَصاكَ معطوف على قوله إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِي» مُ عطف جملة الأمر على جملة الخبر ، وقد أجاز سيبويه جاء زيد ومن عمرو) البحر المحيط ٧ / ٥٦.
(٥) في ب : اضطراب ، انظر البغوي ٦ / ٢٦٢.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٨٤.
(٧) في ب : وعمر.
(٨) المحتسب ٢ / ١٣٥ ، الخصائص ٣ / ١٢٦ ، سر صناعة الإعراب ١ / ٧٢ ـ ٧٣ ، المنصف ١ / ١٤٩ ، الكشاف ٣ / ١٣٤ ، ابن يعيش ٩ / ١٢٩ ـ ١٣٠ ، البحر المحيط ٧ / ٥٦ ـ ٥٧.
(٩) قد : سقط من ب.
(١٠) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٦ / ٢٦٢.
(١١) لفظ الجلالة : سقط من ب.
(١٢) في الأصل : المرسلين. وهو تحريف.
(١٣) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٦ / ٢٦٢.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٨٤.
(١٥) أخرجه البخاري (نكاح) ٣ / ٢٣٧ ، أحمد ٦ / ٦٧ ، ١٥٦ ، ٢٢٦ ، ٢٤٥.
(١٦) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٥ ، البيان ٢ / ٢١٩ ، التبيان ٢ / ١٠٠٥.
(١٧) في ب : لأنه. وهو تحريف.