(كَأَنَّها جَانٌّ) : يجوز أن تكون حالا (١) ثانية (٢) ، وأن تكون حالا من ضمير «تهتزّ» (٣) ، فيكون حالا متداخلة ، وقوله : (وَلَمْ يُعَقِّبْ) يجوز أن يكون عطفا على «ولّى» ، وأن يكون حالا أخرى ، والمعنى : ولم يرجع على عقبه ، كقوله :
٣٩٣٣ ـ فما عقّبوا إذ قيل هل(٤)من معقّب |
|
ولا نزلوا يوم الكريهة منزلا (٥) |
قوله : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) فيه وجهان :
أحدهما : أنّه استثناء منقطع ، لأنّ المرسلين (٦) معصومون من المعاصي ، وهذا هو الظاهر (٧) الصحيح ، والمعنى : لكن من ظلم من سائر الناس ، فإنه يخاف فإن تاب وبدل حسنا بعد سوء فإنّي غفور رحيم.
والثاني : أنّه متصل (٨) ، وللمفسرين فيه عبارات ، قال الحسن : إنّ موسى ظلم بقتل القبطي ، ثم تاب فقال : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) [القصص : ٢٢].
وقال ابن جريح : قال الله لموسى (٩) : أخفتك لقتلك (١٠) النفس ، وقال : معنى الآية : لا يخيف الله الأنبياء إلّا بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه حتى يتوب (١١).
وقيل : محمول على ما يصدر من الأنبياء من ترك الأفضل (١٢). وقال بعض النحويين : «إلا» هاهنا بمعنى ولا ، يعني : لا يخاف لديّ المرسلون ولا المذنبون التائبون ، كقوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) [البقرة : ١٥٠]. يعني ولا الذين ظلموا (١٣). وعن الفراء أنه متصل ، لكن من جملة محذوفة تقديره : وإنما يخاف غيرهم إلّا من ظلم (١٤).
__________________
(١) في ب : حال.
(٢) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٥ ، البيان ٢ / ٢١٩.
(٣) انظر التبيان ٢ / ١٠٠٥.
(٤) في ب : هم.
(٥) البيت من بحر الطويل ، لم أهتد إلى قائله ، وهو في الكشاف ٣ / ١٣٤ ، البحر المحيط ٧ / ٥٧ ، شرح شواهد الكشاف (١٠٠).
(٦) في ب : المرسلون.
(٧) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٠٠ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٦ ، البيان ٢ / ٢١٩ ، التبيان ٢ / ١٠٠٥.
(٨) انظر تفسير ابن عطية ١ / ١٧٥ ، البحر المحيط ٧ / ٥٧.
(٩) لموسى : سقط من ب.
(١٠) في ب : بقتلك.
(١١) انظر البغوي ٦ / ٢٦٢.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٨٤.
(١٣) قال ابن الأنباري : (وذهب الكوقيون إلى أن (إلا) بمعنى الواو ، وليس بصحيح لاختلاف المعنى ، لأن (إلا) تقتضي إخراج الثاني مما دخل فيه الأول ، والواو تقتضي مشاركة الثاني للأول ، فلا يقام أحدهما مقام الآخر) البيان ٢ / ٢١٩ ، وانظر البحر المحيط ٧ / ٥٧.
(١٤) قال الفراء : «والآخر أن تجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة ، لأن المعنى : لا يخاف المرسلون إنما الخوف على غيرهم ، ثم استثنى فقال: إلا من ظلم فإن هذا لا يخاف يقول : كان مشركا فتاب وعمل صالحا فذلك مغفور له ليس بخائف) المعاني ٢ / ٢٨٧.