كان متعينا لهذا الأمر حذف ذكر المرسل لكونه معلوما (١).
قوله : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ). أي : دعوى ذنب ، وهو قتله للقبطي ، أي : لهم عليّ ذنب في زعمهم (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) أي : يقتلونني ، فقال الله تعالى : «كلّا» أي : لن يقتلوك (٢).
قوله : «فاذهبا» عطف على ما دل عليه حرف الردع من الفعل ، كأنه قيل : ارتدع عما تظن فاذهب أنت وأخوك (٣)(بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) سامعون ما تقولون قال : «معكم» بلفظ الجمع ، وهما اثنان ، أجراهما مجرى الجماعة.
وقيل : أراد معكما ومع بني إسرائيل نسمع ما يجيبكم فرعون (٤) ، (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) إنما أفرد «رسول» إمّا لأنه مصدر (٥) بمعنى : رسالة والمصدر يوحّد ، ومن مجيء «رسول» بمعنى رسالة قوله (٦) :
٣٨٩٧ ـ لقد كذب الواشون ما فهت عندهم |
|
بسرّ ولا أرسلتهم برسول (٧) |
أي برسالة. وإما لأنهما ذوا شريعة واحدة فنزّلا منزلة رسول (٨).
وإما لأن المعنى : كل واحد منا رسول (٩). وإما لأنه من وضع الواحد موضع التثنية لتلازمهما (١٠) ، فصارا كالشيئين المتلازمين ، كالعينين واليدين. وحيث لم يقصد هذه المعاني طابق في قوله : (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) [طه : ٤٧]. وقال أبو عبيد (١١) : يجوز أن يكون «الرسول» بمعنى الاثنين والجمع ، تقول العرب : هذا رسولي ووكيلي ، [وهذان رسولي ووكيلي](١٢) ، وهؤلاء رسولي ووكيلي (١٣) ، كما قال : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) [الكهف : ٥٠]. قوله : (أَنْ أَرْسِلْ). يجوز أن تكون مفسّرة ل «رسول» (١٤) إذا قيل : بأنه بمعنى
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٢٣.
(٢) انظر البغوي ٦ / ٢٠٨.
(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٠٩.
(٤) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٩٥ ، القرطبي ١٣ / ٩٣.
(٥) وهو قول أبي عبيدة ٢ / ٨٤ ، وانظر البيان ٢ / ٢١٢ ، التبيان ٢ / ٩٩٤ ، البحر المحيط ٧ / ٨.
(٦) في ب : فقوله. وهو تحريف.
(٧) البيت من بحر الطويل ، قاله كثير ، وهو في ديوانه (١١٠) ، ومجاز القرآن ٢ / ٨٤ ، تفسير غريب القرآن (٣١٦) ، والمذكر والمؤنث ٢ / ٢٩٣ ، الكشاف ٣ / ١١٠ ، البيان ٢ / ٢٠٦ ، ٢١٢ ، القرطبي ١٣ / ٩٣ ، اللسان (رسل). الواشون : جمع واش ، وهو الساعي بين الناس يوقع بينهم ، وروي : (ما بحت) بدل (ما فهت) ، وفي ب : برسولي. والشاهد فيه : قوله : (برسول) ، فإنه مصدر بمعنى : رسالة.
(٨) انظر الكشاف ٣ / ١١٠ ، البحر المحيط ٧ / ٨.
(٩) انظر القرطبي ١٣ / ٩٤ ، البحر المحيط ٧ / ٨.
(١٠) أي : رسول الله موسى وأخوه هارون.
(١١) في النسختين : أبو عبيدة. والتصويب من القرطبي.
(١٢) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(١٣) انظر القرطبي ١٣ / ٩٤.
(١٤) انظر الكشاف ٣ / ١١٠.