بمعنى بل ، ثم أوعد على غيبته ، فقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) ، فقيل : بنتف ريشه ووضعه لهوام الأرض ، وقيل : بحبسه في القفص ، وقيل : بأن يفرق بينه وبين إلفه ، وقيل : بحبسه مع ضده ، (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) حجّة ظاهرة (١).
قوله : «فمكث» قرأ عاصم بفتح الكاف ، والباقون بضمها (٢) ، وهما لغتان ، إلا أن الفتح أشهر ، ولذلك جاءت الصفة (٣) على ماكث ، دون مكيث (٤) ، واعتذر عنه بأن فاعلا قد جاء لفعل بالضم ، نحو : حمض فهو حامض ، وخثر فهو خاثر ، وفره فهو فاره.
قوله : (غَيْرَ بَعِيدٍ) ، يجوز أن يكون صفة للمصدر ، أي مكثا غير بعيد ، وللزمان أي : زمانا غير بعيد (٥) ، وللمكان أي : مكانا غير بعيد (٦) ، والظاهر أن الضمير في مكث للهدهد (٧) ، وقيل : لسليمان (٨) ـ عليهالسلام (٩) ـ فقال : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) ، والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته ، يقول : علمت ما لم تعلم ، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك.
قوله : (مِنْ سَبَإٍ) ، قرأ البزّيّ (١٠) ، وأبو عمرو بفتح الهمزة (١١) ، جعلاه اسما للقبيلة أو البقعة ، فمنعاه من الصرف للعلمية والتأنيث ، وعليه قوله :
٣٩٤٦ ـ من سبأ الحاضرين مأرب إذ |
|
يبنون من دون سيله العرما (١٢) |
وقرأ قنبل بسكون الهمزة (١٣) ، كأنه نوى الوقف وأجرى الوصل مجراه ، والباقون بالجر والتنوين (١٣) ، جعلوه اسما للحيّ أو المكان ، وعليه قوله :
٣٩٤٧ ـ الواردون وتيم في ذرى سبأ |
|
قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس (١٤) |
__________________
(١) المرجع السابق ٦ / ٢٧٠.
(٢) السبعة (٤٨٠) ، الكشف ٢ / ١٥٥ ، النشر (٣٣٦) ، الإتحاف (٣٣٥).
(٣) يقصد اسم الفاعل من هذا الفعل.
(٤) انظر الكشف ٢ / ١٥٥.
(٥) انظر البيان ٢ / ٢٢٠.
(٦) انظر التبيان ٢ / ١٠٠٦.
(٧) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٥.
(٨) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ١٩٠ ، القرطبي ١٣ / ١٨٠.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) في الأصل : اليزيدي.
(١١) السبعة (٤٨٠) ، الكشف ٢ / ١٥٥ ، النشر (٣٣٧) ، الإتحاف (٣٣٥).
(١٢) البيت من بحر المنسرح ، قاله النابغة الجعدي ، وهو في الكتاب ٣ / ٢٥٣ ، الكشاف ٣ / ١٣٩ ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٩١ ، الإنصاف ٢ / ٥٠٢ ، القرطبي ١٣ / ١٨١ ، اللسان (سبأ ، عرم).
(١٣) السبعة (٤٨٠) ، الكشف ٢ / ١٥٥ ، النشر (٣٣٧) ، الإتحاف (٣٣٥ ـ ٣٣٦).
(١٤) البيت من بحر البسيط ، قاله جرير في هجاء عمرو بن لجأ التيمي ، وهو في معاني القرآن للفراء ٢ / ١٣٩ ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٩١ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ٣٨ ، ٣٤٣ ، القرطبي ١٣ / ١٨١ ، البحر المحيط ٧ / ٦٦ معنى : (عض أعناقهم جلد الجواميس) : أن الجلود المصنوعة من جلد الجواميس قد أثرت في أعناقهم.
والشاهد فيه هنا أن (سبأ) جعل اسما للحي أو المكان ، ولهذا صرف.