وهذا الخلاف جار بعينه في سورة سبأ (١).
وفي قوله : (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ) فيه من البديع التجانس ، وهو : تجنيس التصريف ، وهو عبارة عن انفراد كل كلمة من الكلمتين عن الأخرى بحرف (٢) كهذه الآية ، ومثله : (تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ)(٣).
وفي الحديث : «الخيل معقود بنواصيها الخير» (٤) ، وقال آخر :
٣٩٤٨ ـ لله ما صنعت بنا |
|
تلك المعاجر والمحاجر (٥) |
وقال الزمخشري : وقوله (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ) من جنس الكلام الذي سماه المحدثون (٦) البديع ، وهو من محاسن الكلام الذي يتعلق باللفظ بشرط أن يجيء مطبوعا ، أو يصنعه عالم بجوهر هذا الكلام ، يحفظ معه صحة المعنى وسداده ، ولقد جاء هنا زائدا على الصحة ، فحسن وبدع لفظا ومعنى ، ألا ترى أنه لو وضع مكان : «بنبأ» : «بخبر» لكان المعنى صحيحا ، وهو كما جاء أصح لما في النبأ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال (٧).
يريد بالزيادة : أن النبأ أخص من الخبر ، لأنه لا يقال إلا فيما له شأن من الأخبار ، بخلاف الخبر ، فإنه يطلق على ما له شأن ، وعلى ما لا شأن له ، فكلّ نبأ خبر من غير عكس. وبعضهم يعبر عن نحو : (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ) في علم البديع بالترديد ، قاله صاحب التحرير (٨) ، وقال غيره (٩) : إن الترديد عبارة عن رد أعجاز البيوت على صدورها ، أو ردّ كلمة من النصف الأول إلى النصف الثاني ، فمثال الأول قوله :
٣٩٤٩ ـ سريع إلى ابن العمّ يلطم وجهه |
|
وليس إلى داعي الخنا بسريع (١٠) |
__________________
(١) يشير إلى قوله تعالى :«لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ» [سبأ : ١٥].
(٢) انظر الإيضاح (٣٩٦ ـ ٣٩٧.
(٣) [غافر : ٧٥].
(٤) أخرجه البخاري (مناقب) ٢ / ٦٨٣ ، مسلم (زكاة) ٢ / ٦٨٣ ، (إمارة) ٣ / ١٤٩٢ ـ ١٤٩٣ ، أبو داود (جهاد) ٢ / ٩٣٣. ومالك (جهاد) ٢ / ٤٦٧ ، أحمد ٣ / ٣٩ ، ٥ / ١٨١.
(٥) البيت من مجزوء الكامل ، لم أهتد إلى قائله ، وهو في البحر المحيط ٧ / ٦٦. المعاجر : جمع معجر : وهو غطاء الرأس من المرأة والعمامة من الرجل. المحاجر : جمع ـ محجر ـ بكسر الميم وفتحها ـ : ما دار بالعين وظهر من البرقع من جميع العين. والشاهد فيه قوله : (المعاجر والمحاجر) فإنه جناس تصريف لاختلاف اللفظين في حرف واحد.
(٦) في النسختين : النحويون. والتصويب من الكشاف.
(٧) الكشاف ٣ / ١٣٩.
(٨) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٦ ، وكتاب التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير من جمع الشيخ جمال الدين أبي عبد الله محمد بن سليمان بن حسن بن حسين المقدسي ، عرف بابن النقيب ـ رحمهالله تعالى ـ هو أحد مصادر أبي حيان في كتابه البحر المحيط.
(٩) هو صاحب كتاب التفريع بفنون البديع. انظر البحر المحيط ٧ / ٦٦.
(١٠) البيت من بحر الطويل ، قاله الأقيشر الأسدي ، وهو في الإيضاح للقزويني (٤٠٠) ، البحر المحيط ٧ / ٦٦ ، معاهد التنصيص ٢ / ٨٢ ، الخزانة ٤ / ٤٨٨. ويروى : إلى داعي الندى. والخنا : من قبيح الكلام.
والشاهد فيه رد العجز على الصدر ، وهو قوله : (سريع ... بسريع.