الحوفي فجعلها متعلقة ب «ناظرة» (١) ، وهذا لا يستقيم ، لأن اسم الاستفهام له صدر الكلام و (بِمَ يَرْجِعُ) معلق لناظرة (٢).
قوله : (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ) أي : فلما جاء الرسول ، أضمره لدلالة قولها «مرسلة» ، فإنه يستلزم رسولا ، والمراد به الجنس لا حقيقة رسول واحد ، بدليل خطابه لهم بالجمع في قوله : «أتمدونني ..» إلى آخره (٣) ، وكذلك قرأ عبد الله : فلما جاءوا ، وقرأ (٤) : «فارجعوا إليهم» (٥) ، اعتبارا بالأصل المشار إليه.
قوله : «أتمدونني» استفهام إنكار ، وقرأ حمزة بإدغام نون الرفع في نون الوقاية ، وأما الياء فإنه يحذفها وقفا ، ويثبتها وصلا على قاعدته في الزوائد (٦) ، والباقون بنونين ـ على الأصل ـ وأما الياء فإن نافعا وأبا عمرو كحمزة يثبتانها وصلا ويحذفانها وقفا ، وابن كثير يثبتها في الحالين ، والباقون يحذفونها في الحالين.
وروي عن نافع أنه يقرأ بنون واحدة ، فتكملت ثلاث قراءات (٧) كما في : (تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) [الزمر : ٦٤].
قال الزمخشري : ما الفرق بين قولك : أتمدونني (٨) بمال وأنا أغنى منكم (٩) ، وبين أن تقوله بالفاء؟ قلت : إذا قلته بالواو فقد جعلت مخاطبي عالما بزيادتي عليه في الغنى ، وهو ـ مع ذلك ـ يمدني بالمال ، وإذا قلته بالفاء فقد جعلته ممن خفي عليه حالي ، وإنما أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده ، كأني أقول له (١٠) : أنكر عليك ما فعلت فإني غني عنه ، وعليه ورد قوله : (فَما آتانِيَ اللهُ)(١١) انتهى.
وفي هذا الفرق نظر ، إذ لا يفهم ذلك بمجرد الواو والفاء ، ثم إنه لم يجب عن السؤال الأول ، وهو أنه : لم عدل عن قوله : وأنا أغنى منكم (١٢) إلى قوله : (فَما آتانِيَ اللهُ)؟
وجوابه : أنه أسند إيتاء الغنى إلى الله ، إظهارا لنعمته عليه ، ولو قال : وأنا (١٣) أغنى منكم ، كان فيه افتخار (١٤) من غير ذكر لنعمة الله عليه ، فأظهر ـ بهذا الكلام ـ قلة
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٤.
(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٤.
(٣) المرجع السابق.
(٤) في ب : فاقرأ.
(٥) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢٠٤ ، البحر المحيط ٧ / ٧٤.
(٦) في الأصل : الرواية ، وفي ب : الرواب. والصواب ما أثبته.
(٧) السبعة (٤٨١ ـ ٤٨٢) ، الكشف ٢ / ١٦٠ ، الإتحاف (٣٣٦ ـ ٣٣٧).
(٨) في الكشاف : أتمدني.
(٩) في ب : عنكم.
(١٠) له : تكملة من الكشاف.
(١١) الكشاف ٣ / ١٤٣.
(١٢) في ب : عنكم.
(١٣) في ب : أنا.
(١٤) في ب : إنكار. وهو تحريف.