الاكتراث بذلك المال. قوله : (بَلْ أَنْتُمْ) إضراب انتقال ، قال الزمخشري : فإن قلت : فما وجه الإضراب؟ قلت : لما أنكر عليهم الإمداد ، وعلل إنكاره ، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه ، وهو أنهم لا يعرفون سبب رضى إلا مما يهدى إليهم من حظوظ الدنيا التي لا يعرفون غيرها ، والهدية : يجوز إضافتها إلى المهدي وإلى المهدى إليه ، وهي هنا محتملة للأمرين (١). قال أبو حيان : وهي هنا مضافة للمهدى إليه ، وهذا هو الظاهر ، ويجوز أن تكون مضافة إلى المهدي ، أي : بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار (٢).
قال شهاب الدين : كيف يجعل الأول هو الظاهر ، ولم ينقل أن سليمان ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أرسل إليهم هدية في هذه الحالة ، حتى يضيفها إليهم ، بل الذي يتعين إضافتها إلى المهدي (٣). ومعنى الآية : (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) ، لأنكم أهل مفاخرة بالدنيا ومكاثرة بها تفرحون بإهداء بعضكم لبعض ، وأما أنا فلا أفرح بها وليست الدنيا من حاجتي ، لأن الله تعالى (٤) قد مكنني فيها وأعطاني منها ما لم يعط أحدا ، ومع ذلك أكرمني بالدين والنبوة (٥). قوله : «ارجع» الظاهر أن الضمير يعود على الرسول (٦) ، وتقدمت قراءة عبد الله : «ارجعوا» ، وقيل : يعود على الهدهد (٧). (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ) وهذا جواب قسم مقدر ، وكذلك قوله (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ). قوله : (لا قِبَلَ) صفة ل «جنود» ، أي : لا طاقة ، وحقيقته : لا مقابلة (٨) والضمير في «بها» عائد على «جنود» ، لأنه جمع تكسير فيجري مجرى المؤنثة الواحدة كقولهم : الرجال وأعضادها (٩). وقرأ عبد الله «بهم» (١٠) على الأصل. (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) أي من بلادهم وأرض سبأ (١١) «أذلة» حال (١٢) ، والذال : أن يذهب عنهم ما كان عندهم من العز والملك (١٣). قوله : (وَهُمْ صاغِرُونَ) حال ثانية (١٢) ، والظاهر أنها مؤكدة ، لأن «أذلة» تغني عنها. فإن قيل : قوله (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ) ، و (لَنُخْرِجَنَّهُمْ) قسم ، فلا بد أن يقع!
__________________
(١) الكشاف ٣ / ١٤٣. بتصرف.
(٢) البحر المحيط ٧ / ٧٤.
(٣) الدر المصون ٥ / ١٩٤ ـ ١٩٥.
(٤) تعالى : سقط من ب.
(٥) انظر البغوي ٦ / ٢٨١.
(٦) قيل : إن الرسول هو المنذر بن عمرو أمير الوفد. انظر القرطبي ١٣ / ٢٠١.
(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٤٣.
(٨) المرجع السابق.
(٩) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٤. ووجه الاستشهاد بالمثل أن الرجال جمع تكسير فيصح أن يعود عليه الضمير جمعا مذكرا أو مفردا مؤنثا على معنى جماعة الرجال.
(١٠) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩٣ ، البحر المحيط ٧ / ٧٤.
(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٤٣ ، البحر المحيط ٧ / ٧٤.
(١٢) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٨ ، البيان ٢ / ٢٢٢.
(١٣) انظر الكشاف ٣ / ١٤٣.
(١٢) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٨ ، البيان ٢ / ٢٢٢.