ومكان الأخضر أحمر (١). (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) إلى عرشها فتعرفه ، أم تكون من الجاهلين الذين لا يهتدون إليه ، وقيل : أتعرف به نبوة سليمان ولذلك قال : (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) إليه ، وذلك كالذم ، ولا يليق إلا بطريق الدلالة ، فكأنه ـ عليهالسلام ـ أحب أن تنظر فتعرف به نبوته ، حيث صار منتقلا من المكان البعيد إلى هناك (٢) ، وذلك يدل على كمال قدرة الله تعالى ، وعلى صدق سليمان (٣) ـ عليهالسلام (٤) ـ. ويعرف بذلك أيضا فضل عقلها ، لأنه روي أنه ألقي إليه نقصان عقلها ، لكي لا يتزوجها ـ كما ذكر وهب ومحمد بن كعب وغيرهما ـ أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أسرار الجن ، وذلك أن أمّها كانت جنية ، وإذا ولدت ولدا لا ينكفون من تسخير سليمان وذريته من بعده ، فأساءوا الثناء عليها ، ليزهّدوه فيها ، وقالوا : إن في عقلها شيئا ، وإن رجلها كحافر الحمار ، وإنها شعراء الساقين ، فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها ، وينظر إلى قدميها ببناء الصرح (٥).
قوله : «أهكذا» ثلاث كلمات ـ حرف التنبيه وكأن التشبيه واسم الإشارة ـ فصل (بحرف الجرّ بين حرف التنبيه واسم الإشارة ، والأصل : أكهذا (٦) ، أي : (أ) (٧) مثل هذا عرشك ، ولا يجوز ذلك في غير الكاف لو قلت : أبهذا مررت ، وألهذا فعلت لم يجز أن تفصل) (٨) بحرف الجرّ بين «ها» و «ذا» فتقول : أها بذا مررت وأها لذا فعلت.
قوله (٩) : (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) ، قال مقاتل : عرفته ، ولكنها شبّهت عليهم كما شبّهوا عليها(١٠). وقال عكرمة : كانت حكيمة لم تقل : نعم ، خوفا من أن تكذب ، ولم تقل : لا ، خوفا من التكذيب (١١) ، قالت كأنه هو ، فعرف سليمان كمال عقلها ، حيث توقفت في محل التوقف ، قيل لها : فإنه عرشك ، فما أغنى عنك إغلاق الأبواب عليه ، وكانت قد أغلقت عليه الأبواب وأخذت مفاتيحها. قوله : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) فيه وجهان :
أحدهما : أنه من كلام بلقيس ، فالضمير في «قبلها» راجع للمعجزة والحالة الدّالة عليها السياق والمعنى : وأوتينا العلم بنبوة سليمان من قبل ظهور هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة ، وذلك لما رأت قبل ذلك من أمر الهدهد ورد الهدية والرسل «من قبلها» من قبل الآية في العرش ، (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) منقادين طائعين لأمر سليمان.
الثاني : أنه من كلام سليمان وأتباعه ، فالضمير في قبلها عائد على بلقيس ، فكأن سليمان وقومه قالوا : إنها قد أصابت في جوابها وهي عاقلة ، وقد رزقت الإسلام ، ثم
__________________
(١) انظر البغوي ٦ / ٢٨٥.
(٢) في ب : هنا.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٩.
(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٥) انظر البغوي ٦ / ٢٨٥.
(٦) في ب : أهكذا.
(٧) ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق.
(٨) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٩) في الأصل : فصل.
(١٠) انظر البغوي ٦ / ٢٨٥.
(١١) المرجع السابق.