قوله : «أمّا» أم هذه متصلة عاطفة ، لاستكمال شروطها (١) ، والتقدير : أيّهما خير ، و «خير» إمّا تفضيل ـ على زعم الكفار ـ وإلزام (٢) الخصم ، أو صفة لا تفضيل فيها (٣). و «ما» في «أم ما» بمعنى الذي ، وقيل : مصدرية ، وذلك على حذف مضاف من الأول ، أي : أتوحيد الله خير أم شرككم (٤)؟ وقرأ أبو عمرو وعاصم : «أما يشركون» بالغيبة حملا على ما قبله من قوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) ، وما بعده من قوله : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) ، والباقون على الخطاب (٥) ، وهو التفات للكفار ، بعد خطاب نبيه ـ عليهالسلام (٦) ـ وهذا تبكيت للمشركين بحالهم ، لأنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى ، ولا يؤثر عاقل شيئا على شيء إلا لزيادة خير ومنفعة ، فقيل لهم هذا الكلام تنبيها لهم على نهاية ضلالهم وجهلهم (٧) ، وروي أنّ رسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان إذا قرأها قال : «بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم»(٨).
قوله : (أَمَّنْ خَلَقَ) «أم» هذه منقطعة (٩) ، لعدم تقدّم همزة الاستفهام ولا تسوية ، و «من (خَلَقَ) مبتدأ وخبره محذوف ، فقدّره الزمخشري : خير أمّا يشركون (١٠) ، فقدر ما (١١) أثبت في الاستفهام الأوّل ، وهو حسن ، وقدّره ابن عطية : يكفر بنعمته ويشرك به ، ونحو هذا من المعنى (١٢). وقال أبو الفضل الرازي : لا بدّ من إضمار جملة معادلة ، وصار ذلك المضمر كالمنطوق لدلالة الفحوى عليه ، وتقدير تلك الجملة : أم مّن خلق السّموات والأرض كمن لمن يخلق؟ وكذلك أخواتها ، وقد أظهر في غير هذه المواضع ما أضمر فيها (١٣) ، كقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [النحل : ١٧]. وقال أبو حيان : وتسمية هذا المقدر جملة إن أراد أنّها جملة من جهة الألفاظ فصحيح (١٤) ، وإن أراد الجملة المصطلح عليها في النحو ، فليس بصحيح ، بل هو مضمر من قبيل المفرد (١٥). وقرأ الأعمش : «أمن» بتخفيف الميم (١٦) جعلها (من) الموصولة داخلة عليها همزة الاستفهام ، وفيها وجهان :
__________________
(١) لأن «أم» المتصلة هي الواقعة بعد همزة التسوية ، أو همزة يطلب بها وب «أم» التعيين ، وسميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا تستغني بأحدهما عن الآخر ، وتسمى معادلة لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في النوع الأول والاستفهام في النوع الثاني. انظر المغني ١ / ٤١ ، الهمع ٢ / ١٣٢.
(٢) في ب : والدام. وهو تحريف.
(٣) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٥٣ ، البيان ٢ / ٢٢٥.
(٤) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، البحر المحيط ٧ / ٨٨.
(٥) الكشف ٢ / ١٦٣ ـ ١٦٤ ، الإتحاف (٣٣٨).
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٥.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٥ ، القرطبي ١٣ / ١٢١.
(٩) انظر الكشاف ٣ / ١٤٨.
(١٠) المرجع السابق.
(١١) في ب : فقدرنا.
(١٢) تفسير ابن عطية ١١ / ٢٢٧.
(١٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٩.
(١٤) في ب : صحيح.
(١٥) البحر المحيط ٧ / ٨٩.
(١٦) المختصر (١١٠) ، المحتسب ٢ / ١٤٢.