خيرا من قوله لا إله إلا الله (١) ، وقيل : خير منها يعني رضوان الله ، قال تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ)(٢) [التوبة : ٧٢] ، وقال محمد بن كعب وعبد الرحمن بن زيد : خير منها يعني الأضعاف ، أعطاه الله بالواحدة عشرا ، فصاعدا ، وهذا حسن ، لأن للأضعاف خصائص (٣) وقيل : إن الثواب خير من العمل ، لأن الثواب دائم والعمل منقض ، ولأن العمل فعل العبد ، والثواب فعل (٤) الله. (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) أي : آمنون من كل فزع ، فإن قيل : أليس قال ـ في أول الآية ـ (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)؟ فكيف نفى (٥) الفزع ههنا؟ فالجواب : أن الفزع الأول ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدة تقع أو هول يفجأ ، وإن كان المحسن يأمن وصول ذلك الضرر إليه ، وأما الثاني : فهو الخوف من العذاب (٦).
وأما من قرأ «من فزع» بالتنوين (٧) ، فهو محتمل معنيين : من فزع واحد ، وهو خوف العذاب ، وإما ما يلحق الإنسان من الرعب عند مشاهدته ، فلا ينفك عنه أحد (٨). فإن قيل : الحسنة لفظة مفردة معرفة ، وقد ثبت أنها لا تفيد العموم ، بل يكفي في تحققها حصول فرد من أفرادها ، وإذا كان كذلك فلنحملها على أكمل الحسنات شأنا ، وأعلاها درجة وهو الإيمان ، ولهذا قال ابن عباس : الحسنة كلمة الشهادة ، وهذا يوجب (٩) القطع بأنه لا يعاقب أهل الإيمان ، فالجواب : ذلك الخير هو أن لا يكون عقابه مخلدا (١٠). و «أمن» يتعدى بالجار وبنفسه ، كقوله تعالى : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) [الأعراف : ٩٩].
قوله : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) يعني الإشراك (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ، يجوز أن يكون ذكر الوجه (١١) إيذانا بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكبين (١٢) ، يقال : كببت الرجل إذا ألقيته على وجهه فأكب (١٣) وانكب (١٤).
قوله : (هَلْ تُجْزَوْنَ) على إضمار قول ، وهذا القول حال مما قبله ، أي كبّت وجوههم مقولا لهم ذلك القول (١٥).
قوله تعالى : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ
__________________
(١) انظر البغوي ٦ / ٣١٤.
(٢) انظر البغوي ٦ / ٣١٤.
(٣) انظر البغوي ٦ / ٣١٤.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٢١.
(٥) نفى : سقط من ب.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٢١.
(٧) وهي قراءة أهل الكوفة كما سبق.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٢١.
(٩) في ب : موجب.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٢١.
(١١) في النسختين : الوحدة.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٢١.
(١٣) في ب : فأكبه.
(١٤) انظر اللسان (كبب).
(١٥) انظر التبيان ٢ / ١٠١٥.