وهذا تكلّف لا حاجة إليه. وأما المعنى فكيف يجتمع استضعاف فرعون ، وإرادة المنّة من الله (١) ، لأنه متى منّ الله عليهم تعذّر استضعاف فرعون إياهم.
وقد أجيب عن ذلك بأنه (٢) لما كانت المنّة بخلاصهم من فرعون سريعة الوقوع جعل إرادة وقوعها كأنها مقارنة لاستضعافهم (٣).
قوله : (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) قال مجاهد : دعاة إلى الخير ، وقال قتادة : ولاة وملوكا كقوله تعالى: (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً)(٤) ، وقيل : يهتدى بهم في الخير (٥) ، (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) يعني لملك فرعون وقومه يخلفونهم في مساكنهم (٦).
قوله : (وَنُمَكِّنَ) العامة على ذلك من غير لام علّة ، والأعمش : ولنمكّن» بلام العلة (٧) ومتعلقها محذوف ، أي : ولنمكن فعلنا ذلك (٨) ، والمعنى : نوطىء لهم في أرض (٩) مصر والشام ، ونجعلها (١٠) لهم مكانا يستقرون فيه (١١) ، وننفذ (١٢) أمرهم ونطلق أيديهم ، يقال : مكّن له إذا جعل له مكانا يقعد عليه وأوطأه ومهده (١٣).
قوله : (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) قرأ الأخوان (١٤) : «ويرى» بفتح الياء والراء (١٥) مضارع (رأى) مسندا إلى «فرعون» وما عطف عليه فلذلك رفعوا ، والباقون بضم النون وكسر الراء مضارع (أرى) ، فلذلك نصب «فرعون» وما عطف عليه (١٦) مفعولا أول ، «و (ما كانُوا) هو الثاني (١٧). و «منهم» متعلق بفعل الرّؤية أو الإرادة (١٨) ، لا ب «يحذرون» لأنّ ما بعد الموصول لا يعمل فيما قبله (١٩) ، ولا ضرورة بنا إلى أن نقول اتسع فيه ، والحذر هو التوقي من الضّرر(٢٠) ، والمعنى : وما كانوا خائفين منه.
قوله : (أَنْ أَرْضِعِيهِ) يجوز أن تكون المفسرة والمصدرية (٢١) ، وقرأ عمر بن عبد
__________________
(١) في ب : من الله تعالى.
(٢) في ب : لأنه.
(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٥٧ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٤.
(٤) من قوله تعالى : «وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً» [المائدة : ٢٠].
(٥) انظر : البغوي ٦ / ٣١٨.
(٦) المرجع السابق.
(٧) في ب : علة. وانظر البحر المحيط ٧ / ١٠٥.
(٨) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٥.
(٩) في ب : الأرض.
(١٠) في ب : ونجعل.
(١١) انظر البغوي ٦ / ٣١٨.
(١٢) في ب : ونبعد.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٢٦.
(١٤) حمزة والكسائي.
(١٥) والراء : سقط من ب.
(١٦) السبعة (٤٩٢) ، الكشف ٢ / ١٧٢ ، النشر ٢ / ٣٤١ ، الإتحاف (٣٤١).
(١٧) انظر البيان ٢ / ٢٢٩.
(١٨) في ب : الإرادة.
(١٩) انظر التبيان ٢ / ١٠١٦.
(٢٠) انظر البغوي ٦ / ٣١٨.
(٢١) انظر التبيان ٢ / ١٠١٦ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٥.