قوله : (فِي الْبُقْعَةِ) متعلق (ب «نودي» أي) (١) بمحذوف على أنه حال من الشاطىء (٢) ، وقرأ العامة بضم الباء ، وهي اللغة الغالبة ، وقرأ مسلمة (٣) والأشهب العقيلي بفتحها (٤) وهي لغة حكاها أبو زيد قال : سمعتهم يقولون : هذه بقعة طيبة (٥) ، (ووصف البقعة بكونها مباركة لأنه حصل فيها ابتداء الرسالة ، وتكليم الله تعالى إياه) (٦)(٧).
قوله : (مِنَ الشَّجَرَةِ) هذا (٨) بدل من «شاطىء» بإعادة العامل ، وهو بدل اشتمال ، لأن الشجرة كانت ثابتة على الشاطىء كقوله (٩) : (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ)(١٠) [الزخرف : ٣٣].
قوله (أَنْ يا مُوسى) هي المفسرة (١١) ، وجوّز فيها أن تكون هي المخففة (١٢) ، واسمها ضمير الشأن ، وجملة النداء مفسرة له ، وفيه بعد (١٣).
قوله : (إِنِّي أَنَا اللهُ) العامة على الكسر على إضمار القول ، أو على تضمين النداء معناه ، وقرىء بالفتح (١٤) ، وفيه إشكال ، لأنّه إن جعلت «أن» تفسيرية ، وجب كسر «إنّي» (١٥) للاستئناف المفسر للنداء بماذا كان ، وإن جعلتها مخففة لزم تقدير «أنّي» بمصدر ، والمصدر مفرد ، وضمير الشأن لا يفسر بمفرد ، والذي ينبغي أن تخرّج عليه هذه القراءة أن تكون «أن» تفسيرية و «أنّي» (١٦) معمولة لفعل مضمر تقديره أن يا موسى اعلم أنّي أنا الله (١٧) ، واعلم أنه تعالى قال في سورة النمل (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) [النمل : ٨] وقال ها هنا : نودي أنّي أنا الله ربّ العالمين ، وقال في سورة طه (نُودِيَ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) [طه : ١١ ـ ١٢] ، ولا منافاة بين هذه الأشياء ، فهو تعالى ذكر الكلّ إلا أنه تعالى حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه بعض ذلك النداء(١٨).
قوله : (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) تقدم الكلام على ذلك (١٩).
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٦.
(٣) في ب : مسلم.
(٤) المختصر (١١٢) ، البحر المحيط ٧ / ١١٦.
(٥) لم أجد ما قاله أبو زيد في النوادر ، وهو في البحر المحيط ٧ / ١١٦.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٤.
(٧) ما بين القوسين سقط من ب.
(٨) في ب : وهذا.
(٩) في ب : لقوله.
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٦٥.
(١١) انظر التبيان ٢ / ١٠٢٠ ، البحر المحيط ٧ / ١١٦.
(١٢) انظر البيان ٢ / ٢٣٢ ، التبيان ٢ / ١٠٢٠ ، البحر المحيط ٧ / ١١٦.
(١٣) من حيث أنّ ضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة خبرية فلا يفسّر بالإنشائية كالنداء ولا الطلبية ولا بد أن يصرح بجزئيها ، فلا يجوز حذف جزء منها ، فإنه جيء به لتأكيدها وتفخيم مدلولها ، والحذف مناف لذلك. الهمع ١ / ٦٧.
(١٤) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢٩٦ ، البحر المحيط ٧ / ١١٧.
(١٥) في ب : أن.
(١٦) في الأصل : وأنا.
(١٧) انظر البحر المحيط ٧ / ١٧.
(١٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٥ ، البحر المحيط ٧ / ١١٧.
(١٩) عند قوله تعالى :«وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ» [الأعراف : ١١٧].