لأن الشاهد لا بد وأن يكون حاضرا فما (١) الفائدة في إعادة قوله : (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ).
فالجواب : قال ابن عباس التقدير لم تحضر ذلك الموضع ولو حضرت ما شاهدت تلك الوقائع (٢) ، فإنه يجوز أن يكون هناك ، ولا يشهد ولا يرى (٣).
قوله : (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً) وجه الاستدراك أن المعنى : وما كنت شاهدا لموسى وما جرى عليه ولكنّا أوحيناه إليك ، فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ودل به على (٤) المسبب على عادة (٥) الله في اختصاراته ، فإن هذا الاستدراك هو شبيه (٦) بالاستدراكين بعده ، قاله الزمخشري (٧) ، وهذا تنبيه على المعجز (٨) ، كأنه (٩) قال : إن في إخبارك بهذه الأشياء من غير حضور ولا مشاهدة ولا تعلم من أهله دلالة ظاهرة على نبوتك كقوله : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى)(١٠) [طه : ١٣٣].
قوله : (وَما كُنْتَ ثاوِياً) أي : مقيما ، يقال : ثوى يثوي ثواء وثويا ، فهو (١١) ثاو ومثويّ ، قال ذو الرمة :
٤٠٠٧ ـ لقد كان في حول ثواء ثويته |
|
تقضّي لبانات ويسأم سائم (١٢) |
وقال :
٤٠٠٨ ـ طال الثّواء على رسول المنزل (١٣)
وقال العجاج :
٤٠٠٩ ـ وبات حيث يدخل الثّويّ (١٤)
يعني الضيف المقيم.
قوله : «تتلو» يجوز أن يكون حالا من الضمير في «ثاويا» ، وأن يكون خبرا
__________________
(١) في ب : و.
(٢) في ب : المواضع والوقائع.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٧.
(٤) في الأصل : على أن.
(٥) في ب : إعادة.
(٦) في ب : يشبه.
(٧) الكشاف ٣ / ١٧١.
(٨) في ب : العجز. وهو تحريف.
(٩) في ب : فإنه. وهو تحريف.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٧.
(١١) فهو : سقط من ب.
(١٢) البيت من بحر الطويل ، وهو للأعشى ، لا كما نسبه ابن عادل إلى ذي الرمة. وقد تقدم.
(١٣) صدر بيت من بحر الكامل ، قاله عنترة بن شداد العبسي في هجاء قيس بن زيد ، وعجزه :
بين اللكيك وبين ذات الحوامل
وهو في ديوانه (٥٦). والشاهد فيه قوله : (الثواء) فإنه مصدر بمعنى الإقامة من الفعل ثوى.
(١٤) من الرجز قاله العجاج ، وهو في ديوانه (٣٢٥) ، مجاز القرآن ٢ / ١٠٧ ، القرطبي ١٣ / ٢٩١ البحر المحيط ٧ / ١٠٣. الثوى : بيت في جوف بيت يقيم فيه الضيف فهو مكان إقامة. وهو موطن الشاهد.