وقرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة : «رحمة» بالرفع (١) ، أي : أنت رحمة (٢).
قوله : (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ) في موضع الصفة ل «قوما» ، والمعنى : لتنذر أقواما ما أتاهم من نذير من قبلك ، يعني أهل مكة ، (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
قوله (٣) : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ) هي الامتناعية ، و (أن) وما في حيزها في موضع رفع بالابتداء (٤) ، أي : ولو لا أصابتهم مصيبة (٥) ، وجوابها محذوف ، فقدره الزجاج : ما أرسلنا إليهم رسلا(٦). يعني أن الحامل على إرسال الرسل إزاحة عللهم بهذا القول ، فهو كقوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)(٧) [النساء : ١٦٥] ، وقدره ابن عطية : لعاجلناهم (٨) ، ولا معنى لهذا. «فيقولوا» عطف على «تصيبهم» و «لو لا» الثانية تحضيض (٩) ، و «فنتبع» جوابه(١٠) ، فلذلك نصب بإضمار «أن».
قال الزمخشري : فإن قلت كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب ، لا القول لدخول حرف الامتناع عليه دونه؟ قلت : القول هو المقصود بأن (١١) يكون سببا للإرسال ، ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها سبب للإرسال بواسطة القول ، فأدخلت عليها (لولا) (١٢) ، وجيء بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السبب ، ويؤول معناه (١٣) إلى قولك : ولو لا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا ، ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة وهي أنهم لو لم (١٤) يعاقبوا مثلا على كفرهم عاينوا ما الجئوا به إلى العلم اليقيني ببطلان (١٥) دينهم لم
__________________
ـ رحمة) معاني القرآن ٢ / ٦٥٣. ومفعول لأجله عند الزجاج فإنه قال : (والنصب على معنى : فعلنا ذلك للرحمة ، كما تقول : فعلت ذلك ابتغاء الخير ، أي : فعلته لابتغاء الخير ، فهو مفعول له) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٤٧. وقال الكسائي : هي خبر (كان) مضمرة بمعنى : ولكن كان ذلك رحمة من ربك. انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٦٤ ، البيان ٢ / ٢٣٤.
(١) المختصر (١١٣) البحر المحيط ٧ / ١٢٣.
(٢) انظر الكشاف ٣ / ١٧١ ، البحر المحيط ٧ / ١٢٣.
(٣) في ب : قوله تعالى.
(٤) في ب : الابتداء.
(٥) في ب : المصيبة.
(٦) قال الزجاج : (أي : لولا ذلك لم يحتج إلى إرسال الرسل ، ومواترة الاحتجاج) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٤٧ ، وابن عادل تابع لأبي حيان في هذا النقل. انظر البحر المحيط ٧ / ١٢٣.
(٧) انظر البحر المحيط ٧ / ١٢٣.
(٨) قال ابن عطية (وجواب لولا محذوف تقديره : لما أرسلنا الرسل) تفسير ابن عطية ١١ / ٣٠٧ وابن عادل تابع لأبي حيان في هذا النقل. انظر البحر المحيط ٧ / ١٢٣.
(٩) قال أبو عبيدة :(«لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً» مجازه : هلّا) مجاز القرآن ٢ / ١٠٧.
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٧١ ، البحر المحيط ٧ / ١٢٣.
(١١) في الأصل : لأن.
(١٢) في ب : الواو. وهو تحريف.
(١٣) في ب : معناها.
(١٤) في ب : لولا.
(١٥) في ب : سلطان.