٤٠١٠ ـ فلم يستجبه عند ذاك مجيب (١)
حيث عدّي بغير لام (٢)؟ قلت : هذا الفعل يتعدى إلى الدعاء بنفسه وإلى الداعي باللام ، ويحذف الدعاء إذا عدّي إلى الداعي في الغالب ، فيقال : استجاب الله دعاءه أو : استجاب له ، ولا يكاد يقال : استجاب له دعاءه ، وأما البيت فمعناه : فلم يستجب دعاءه على حذف المضاف (٣). وقد تقدم تقرير هذا في البقرة (٤) ، وأنّ استجاب بمعنى أجاب ، والبيت الذي أشار إليه هو :
٤٠١١ ـ وداع دعا يا من يجيب إلى النّدا |
|
فلم يستجبه عند ذاك مجيب (٥) |
والناس ينشدونه على تعدّيه بنفسه ، فإن قيل : الاستجابة تقتضي دعاء ، فأين الدعاء هنا؟ قيل: (فَأْتُوا بِكِتابٍ) أمر ، والأمر دعاء إلى الفعل (٦) ، وقال : (فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) أي صاروا ملتزمين طريقه ، ولم يبق شيء (٧) إلا اتباع الهوى ، ثم زيّف طريقهم بقوله : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً) وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد ، وأنه لا بد من الحجة والاستدلال (٨)(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
قوله (٩) : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) العامة على تشديد (وَصَّلْنا) إما من الوصل ضد القطع أي : تابعنا بعضه ببعض (١٠). قال الفراء : أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضا (١١) ، وأصله من وصل الحبل ، قال :
٤٠١٢ ـ فقل لبني مروان ما بال ذمّتي |
|
بحبل ضعيف لا يزال يوصّل (١٢) |
__________________
(١) سيأتي تخريجه بعد.
(٢) في الكشاف : بغير اللام.
(٣) الكشاف ٣ / ١٧٣.
(٤) عند قوله تعالى : «وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دعاني فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ....» [البقرة : ١٨٦]. انظر اللباب ١ / ٣٧٤.
(٥) البيت من بحر الطويل قاله كعب بن سعد الغنوي ، وهو في مجاز القرآن ١ / ٦٧ ، ٢ / ١٠٧ ، الأصمعيات ٩٦ ، الاقتضاب ٣ / ٣٩٩ ، المسائل العسكرية للفارسي (١٥٥) ، أمالي ابن الشجري ١ / ٦٢ ، اللسان (جوب). البحر المحيط ٧ / ١٢٤ ، شرح شواهد الكشاف (١٠) ، والشاهد فيه قوله : (فلم يستجبه) فإنه بمعنى (لم يجبه) وهو متعد بدون حرف الجر.
(٦) انظر الكشاف ٣ / ١٧٣ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٦١.
(٧) في ب : نبي. وهو تحريف.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٦١.
(٩) في ب : قوله تعالى.
(١٠) انظر مجاز القرآن ٢ / ١٠٨ ، تفسير غريب القرآن (٣٣٣).
(١١) معاني القرآن ٢ / ٣٠٧.
(١٢) البيت من بحر الطويل ، قاله الأخطل ، وهو في ديوانه (٢٧١) ، مجاز القرآن ٢ / ١٠٨ ، القرطبي ١٣ / ٢٩٥ ، البحر المحيط ٧ / ١٢٥. والشاهد فيه قوله : (يوصّل) ، أي : أن العلاقة بيني وبينكم غير قوية.