وجهه (١). وهذا عجيب من هؤلاء ، وقد حذفت نون الرفع في مواضع حتى في الفصيح كقوله عليهالسلام (٢) : «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا» (٣) ولا فرق بين كونها بعد واو ، أو ألف ، أو ياء ، فهذا (٤) أصله تتظاهران فأدغم وحذفت نونه تخفيفا (٥) ، وقرأ الأعمش وطلحة وكذا في مصحف عبد الله «اظاهرا» بهمزة وصل وشد الظاء (٦) وأصلها تظاهرا كقراءة العامة ، فلما أريد الإدغام سكّن الأول فاجتلبت (٧) همزة الوصل (٨) ، واختار أبو عبيدة القراءة بالألف (٩) ، لأن المظاهر (١٠) بالناس وأفعالهم أشبه منها بأن المراد الكتابين (١١) ، لكن لما كان كل واحد من الكتابين يقوي الآخر لم يبعد أن يقال على سبيل المجاز تعاونا ، كما يقال : تظاهرت الأخبار (١٢).
قوله : (وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ) أي بما أنزل على محمد وموسى وسائر الأنبياء ، وهذا الكلام لا يليق إلا بالمشركين إلا باليهود (١٣) ، ثم قال : قل لهم يا محمد : (فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما) يعني من التوراة والقرآن ، وهو مؤيد لقراءة «سحران» أو (١٤) من كتابيهما على حذف مضاف ، وهو مؤيد لقراءة «ساحران» ، «أتّبعه» ، وهذا تنبيه على عجزهم عن الإتيان بمثله.
قوله : «أتّبعه» جواب للأمر وهو : «فأتوا» ، وقرأ زيد بن علي أتّبعه (١٥) بالرفع استئنافا ، أي : فأنا أتبعه (١٦).
قوله : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) استجاب (١٧) بمعنى أجاب ، قال ابن عباس : يريد فإن لم يؤمنوا بما جئت به من الحجج (١٨) ، وقال مقاتل : فإن لم يمكنهم أن يأتوا بكتاب أفضل منهما ، وهذا أشبه بالآية (١٩) ، قال الزمخشري : فإن قلت ما الفرق بين فعل الاستجابة في الآية وبينه في قوله :
__________________
(١) المرجع السابق.
(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٣) وهو قول ابن مالك ، انظر شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (١٧٢ ـ ١٧٣) ، شرح الكافية الشافية ١ / ٢٠٩ ـ ٢١٠. والحديث أخرجه مسلم (إيمان) ١ / ٧٤ ، الترمذي (استئذان) ٤ / ١٥٦ ، أحمد ١ / ١٦٧ ، ٢ / ٣٩١ ، ٤٤٢ ، ٤٧٧ ، ٤٩٥.
(٤) في ب : وهذا.
(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ١٢٤.
(٦) المختصر ١١٣ ، البحر المحيط ٧ / ١٢٤.
(٧) في ب : فاختلف. وهو تحريف.
(٨) المختصر (١١٣) ، البحر المحيط ٧ / ١٢٤.
(٩) أي : «ساحران».
(١٠) في الأصل : الظاهر.
(١١) في ب : بالكتابين.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٦١.
(١٣) المرجع السابق.
(١٤) في ب : و.
(١٥) في ب : تبعه.
(١٦) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٠٧ ، البحر المحيط ٧ / ١٢٤.
(١٧) في ب : فاستجاب.
(١٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٦١.
(١٩) المرجع السابق.