يهتدوا لو أنهم كانوا يهتدون إذا رأوا العذاب ويؤكد ذلك قوله (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ)(١) قال ابن الخطيب : وعندي أن الجواب غير محذوف وفي تقديره وجوه :
أحدها : أن الله تعالى لما خاطبهم بقوله (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) فهاهنا يشتد الخوف عليهم ويصيرون بحيث لا يرون شيئا ، فقال تعالى : (وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) شيئا ولما صاروا من شدة الخوف لا يبصرون شيئا لا جرم ما رأوا العذاب.
وثانيها : أن الله تعالى لما ذكر عن الشركاء وهم الأصنام الذين لا يجيبون الذين دعوهم ، قال في حقهم : (وَرَأَوُا (٢) الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) مشاهدين العذاب ، وكانوا من الأحياء لاهتدوا ، ولكنها ليست كذلك ، فلا جرم ما رأت العذاب فإن قيل : قوله : (وَرَأَوُا الْعَذابَ) ضمير(٣) لا يليق إلا بالعقلاء ، وكيف يصح (٤) عوده للأصنام ، قلنا : هذا كقوله : (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) ، وإنما أورد ذلك على حسب اعتقاد القوم فكذا هاهنا.
وثالثها : أن يكون المراد من الرؤية رؤية القلب (٥) ، أي : والكفار علموا حقيقة هذا (٦) العذاب في الدنيا لو كانوا يهتدون ، قال : وهذه الوجوه عندي خير من الوجوه المبنية على أن جواب «لو» محذوف ، فإن ذلك يقتضي تفكيك نظم (٧) الآية (٨).
قوله : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي : يسأل الله الكفار (ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) ، فعميت ، العامة على تخفيفها ، وقرأ الأعمش وجناح بن حبيش بضم العين وتشديد الميم (٩) ، وتقدمت القراءتان للسبعة في هود (١٠) ، والمعنى : خفيت واشتبهت (عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) وهي الأخبار والأعذار ، وقال مجاهد : الحجج يومئذ فلا يكون لهم عذر ولا حجة (١١) ، فهم لا يتساءلون لا يجيبون وقال قتادة : لا يحتجون (١٢) ، وقيل : يسكتون (١٣) لا يسأل بعضهم بعضا (١٤) وقرأ طلحة «لا يسا الون» بتشديد السين على إدغام التاء في السين (١٥) ، كقراءة (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)(١٦) [النساء : ١].
__________________
(١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٥ / ٩.
(٢) في ب : رأوا.
(٣) ضمير : تكملة من الفخر الرازي.
(٤) في الأصل : يليق.
(٥) في الأصل : العذاب.
(٦) هذا سقط من ب.
(٧) في ب : النظم.
(٨) الفخر الرازي ٢٥ / ٩.
(٩) المختصر (١١٣) ، تفسير ابن عطية ١١ / ٣٢١ ـ ٣٢٢ ، البحر المحيط ٧ / ١٢٩.
(١٠) عند قوله تعالى :«فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ» [هود : ٢٨].
(١١) انظر البغوي ٦ / ٣٥٨.
(١٢) المرجع السابق.
(١٣) في ب : لا يسكتون.
(١٤) انظر البغوي ٦ / ٣٥٨.
(١٥) المختصر (١١٣) ، البحر المحيط ٧ / ١٢٩.
(١٦) قرأ بها ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو في رواية ، وذلك لإدغام التاء الثانية في السين. السبعة (٢٢٦) ، الكشف ١ / ٢٧٥.