الجعل (١) تصييرا ، أو حال إن كان خلقا وإنشاء (٢) ، والسّرمد : الدائم الذي لا ينقطع (٣) قال طرفة(٤):
٤٠١٥ ـ لعمرك ما أمري عليّ بغمّة |
|
نهاري ولا ليلي عليّ بسرمد (٥) |
والظاهر أن ميمه أصلية ، ووزنه فعلل كجعفر (٦) ، وقيل : هي زائدة واشتقاقه من السّرد ، وهو تتابع الشيء على الشيء (٧) ، إلا أنّ زيادة الميم وسطا وآخرا لا تنقاس نحو : دلامص (٨) ، وزرقم (٩) ، من الدلاص والزّرقة.
قوله : (إِلى يَوْمِ) متعلق ب «يجعل» أو ب «سرمدا» أو بمحذوف على أنه صفة ل «سرمدا» (١٠) وإنما قال : (أَفَلا تَسْمَعُونَ) ، (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ، لأن الغرض من ذلك الانتفاع بما يسمعون ويبصرون من جهة التدبر ، فلما لم ينتفعوا أنزلوا منزلة من لا يسمع ولا يبصر (١١) ، قال المفسّرون : (أَفَلا تَسْمَعُونَ) سماع فهم (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ما أنتم عليه من الخطأ والضلال(١٢).
وقال الزمخشري : فإن قيل (١٣) هلّا قيل بنهار يتصرّفون فيه كما قيل بليل تسكنون فيه ، قلنا(١٣): ذكر الضياء وهو ضوء الشمس لأن المنافع التي تتعلق بها متكاثرة ليس التصرف في المعاش وحده(١٤) والظلام ليس بتلك المنزلة ، وإنما قرن بالضياء (أَفَلا تَسْمَعُونَ) لأنّ السمع يدرك ما لا يدركه البصر من درك منافعه ووصف فوائده ، وقرن بالليل (أَفَلا تُبْصِرُونَ) لأن غيرك يدرك من منفعة الظلام ما تبصره (١٥) أنت من السكون ونحوه (١٦).
__________________
(١) في ب : جعل.
(٢) انظر التبيان ٢ / ١٠٢٥.
(٣) لأنه من السرد ، وهو المتابعة. انظر الكشاف ٣ / ١٧٧ ، اللسان (سرد).
(٤) تقدم.
(٥) البيت من بحر الطويل ، وقد تقدم.
(٦) هذا معنى كلام أبي حيان فإنه قال :(«سرمد» قيل : من السرمد ، فميمه زائدة ووزنه فعمل ، ولا يزاد وسطا ولا آخرا بقياس ، وإنما هي ألفاظ تحفظ) البحر المحيط ٧ / ١٣٠.
(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٧٧.
(٨) الدلامص : الدّرع البراقة اللينة ، بمعنى الدّليص والدّلاص وقد دلصت الدرع ، أي : لانت. اللسان (دلص ـ دلمص).
(٩) الزرقم : الأزرق الشديد الزرق ، والمرأة زرقم أيضا ، والذكر والأنثى في ذلك سواء ، وقال اللحياني : رجل أزرق وزرقم ، وامرأة زرقاء بينة الزرق ، وزرقمة. اللسان زرق.
(١٠) انظر التبيان ٢ / ١٠٢٥.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٢ ـ ١٣.
(١٢) انظر البغوي : ٦ / ٣٦٠.
(١٣) في الكشاف : فإن قلت : ... قلت.
(١٤) في ب : فيه.
(١٥) في ب : ما تبصرون.
(١٦) الكشاف ٣ / ١٧٧.