وأجيب عن الأول أن المال إذا كان من جنس (العروض لا من جنس النقد) (١) جاز أن يبلغ في الكثرة إلى هذا الحد ، وأيضا أن قولهم تلك المفاتح بلغت ستين حملا ليس مذكورا في القرآن ، فلا تقبل هذه الرواية ، وعن الثاني أن الكنز وإن كان من جهة العرف ما قالوا فقد يقع على المال المجموع في المواضع التي عليها أغلاق (٢) وحمل ابن عباس والحسن المفاتح على نفس (٣) المال وهذا أبين ، قال ابن عباس كانت خزائنه يحملها أربعون رجلا أقوياء (٤) ، وقال أبو مسلم المراد من المفاتح العلم والإحاطة ، كقوله تعالى (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) [الأنعام : ٥٩] والمراد : آتيناه من الكنوز لكثرتها واختلاف أصنافها ما يتعب القائمين أن يحفظوها (٥).
قوله : (إِذْ قالَ) فيه أوجه : أن يكون معمولا ل «تنوء» قاله (٦) الزمخشري (٧) ، أو ل «بغى» قاله ابن عطية (٨) ، وردّه أبو حيان بأن المعنى ليس على التقييد بهذا الوقت (٩) أو ل «آتيناه» قاله أبو البقاء (١٠) وردّه أبو حيان بأن الإيتاء لم يكن ذلك الوقت (١١). أو لمحذوف ، فقدّره (١٢) أبو البقاء : بغى عليهم (١٣) وهذا ينبغي أن يردّ بما ردّ به قول ابن عطية. وقدّره الطبري : اذكر (١٤) وقدره أبو حيان أظهر الفرح (١٥) وهو مناسب ، واعلم أنه كان في قومه من وعظه بأمور :
أحدها : قوله : لا تفرح إنّ الله لا يحبّ الفرحين ، وقرى الفارحين ـ حكاها عيسى الحجازي(١٦) ـ والمراد لا يلحقه من البطر والتمسك بالدنيا ما يلهيه عن أمر الآخرة ، قال
__________________
(١) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٦ ـ ١٧.
(٣) في ب : تفسير. وهو تحريف.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٧.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١٧.
(٦) في ب : قال.
(٧) قال الزمخشري : (ومحل «إذ» منصوب ب «تنوء») الكشاف ٣ / ١٧٨.
(٨) قال ابن عطية : (وقوله تعالى : «إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ» متعلق بقوله : «فبغى») تفسير ابن عطية ١١ / ٣٣٥.
(٩) يعني وقت قوله له : «لا تفرح» ، فإنه قال ردّا على الزمخشري : (وهذا ضعيف جدا ، لأن أثقال المفاتح ليس مقيدا بوقت قول قومه له : لا تفرح) ، وقال ردا على ابن عطية : (وهو ضعيف أيضا ، لأن بغيه عليهم لم يكن مقيدا بذلك). البحر المحيط ٧ / ١٣٢.
(١٠) قال أبو البقاء : (و «إِذْ قالَ لَهُ» ظرف ل «آتيناه») التبيان ٢ / ١٠٢٥.
(١١) البحر المحيط ٧ / ١٣٢.
(١٢) في ب : أو بمحذوف قدره.
(١٣) وعبارته : (ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف دل عليه الكلام ، أي : بغى إذ قال له قومه) التبيان ٢ / ١٠٢٥.
(١٤) لم يذكر الطبري هذا ، وإنما هو قول الحوفي نقله عنه أبو حيان. البحر المحيط ٧ / ١٣٢.
(١٥) قال أبو حيان : (ويظهر أن يكون تقديره : فأظهر التفاخر والفرح بما أوتي من الكنوز إذ قال له قومه لا تفرح) البحر المحيط ٧ / ١٣٢.
(١٦) المختصر (١١٤) ، البحر المحيط ٧ / ١٣٣.