ويجوز أن يريد بالقلة : الذلة ، لا قلة العدو ، أي : إنهم لقلتهم لا يبالي بهم (١).
قال ابن عباس : كان الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف مقاتل لا شاب فيهم دون عشرين(٢) سنة ، ولا شيخ (٣) يوفي على الستين سوى الحشم (٤) ، وفرعون يقللهم لكثرة من معه (٥). وهذا الوصف قد استعمل في الكثير عند الإضافة إلى ما هو أكثر منه ، فروي أن فرعون خرج على فرس أدهم حصان وفي عسكره على لون فرسه ثمانمائة (٦) ألف (٧).
قوله : (وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ). يقال : غاظه وأغاظه وغيّظه : إذا أغضبه. والغيظ : الغضب(٨). والمعنى : أنهم يفعلون أفعالا تغيظنا. واختلفوا في تلك الأفعال. فقيل : أخذهم الحليّ وغيره. وقيل : خروجهم عن عبوديته. وقيل : خروجهم بغير إذنه. وقيل : مخالفتهم (٩) له في الدين. وقيل : لأنهم لم يتخذوا فرعون إلها (١٠).
وأما وصفه قومه فهو قوله : (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ). قرأ الكوفيون (١١) وابن ذكوان : «حاذرون» بألف. والباقون : «حذرون» بدونها (١٢). فقال أبو عبيدة والزجاج : هما بمعنى واحد ، يقال : رجل حذر (١٣) وحاذر بمعنى (١٤).
وقيل : بل بينهما فرق ، فالحذر : المتيقظ. والحاذر : الخائف (١٥). وقيل : الحذر : المخلوق مجبولا على الحذر. والحاذر : ما عرض له ذلك (١٦).
وقيل : الحذر : المتسلح الذي له شوكة سلاح (١٧) ، وأنشد سيبويه في إعمال «حذر» على أنه مثال مبالغة محول من حاذر قوله :
٣٩٠٥ ـ حذر أمورا لا تضير وآمن |
|
ما ليس منجيه من الأقدار (١٨) |
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ١١٥ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٧.
(٢) في ب : عشرون.
(٣) في ب : ولا ينسخ. وهو تحريف.
(٤) الحشم : خدم الرجل ، سموا بذلك لأنهم يغضبون له. (اللسان : حشم).
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٧.
(٦) في الفخر الرازي : ثلثمائة.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٧.
(٨) انظر اللسان (غيظ).
(٩) في ب : مخالفهم. وهو تحريف.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٧.
(١١) وهم عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي.
(١٢) السبعة (٤٧١) ، الكشف ٢ / ١٥١ ، النشر ٢ / ٣٣٥ ، الإتحاف (٣٣٢).
(١٣) حذر : مكرر في الأصل.
(١٤) قال أبو عبيدة : (حذر وحذر ، وقوم حذرون وحاذرون) مجاز القرآن ٢ / ٨٦ ، فكأنه يرى المعنى فيها واحدا. وقال الزجاج : (فالحاذر المستعد ، والحذر المتيقظ) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٩٢.
(١٥) انظر الكشاف ٣ / ١١٥.
(١٦) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٨٠.
(١٧) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٨٠ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٩٢ التبيان ٢ / ٩٩٦.
(١٨) البيت من بحر الكامل ، قيل : قاله أبان بن عبد الحميد اللاحقي ، وضعه حينما سأله سيبويه عن شاهد لتعدي (فعل). وقيل : قاله عبد الله بن المقفع ، وقد تقدم.