قوله : (مَنْ جاءَ بِالْهُدى) منصوب بمضمر ، أي : يعلم (١) أو «أعلم» إن جعلناها بمعنى عالم وأعملناها إعماله (٢) ، ووجه تعلقه بما قبله أنّ الله تعالى لما وعد رسوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الرد إلى معاد قال : قل للمشركين (رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) يعني نفسه وما يستحقه من الثواب في المعاد والإعزاز بالإعادة إلى مكة (وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يعنيهم وما يستحقونه من العذاب في معادهم (٣).
قوله (٤) : (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) أي : يوحى إليك القرآن (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) قال الفراء هذا استثناء منقطع (٥) ، أي : لكن رحمة من ربك فأعطاك القرآن وقيل : متصل. قال الزمخشري : هذا كلام محمول على المعنى ، كأنه قيل : وما ألقي إليك (٦) الكتاب إلا رحمة (٧). فيكون استثناء من الأحوال ومن المفعول له (٨) ، (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) أي : معينا لهم على دينهم ، قال مقاتل : وذلك حين دعي إلى دين آبائه فذكره الله نعمه ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه (٩).
قوله : (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ) قرأ العامة بفتح الياء وضم الصاد ، من : صدّه يصدّه ، وقرىء بضم الياء وكسر الصاد ، من : أصده بمعنى صدّه ، حكاها أبو زيد عن كلب (١٠). قال الشاعر:
٤٠٢٣ ـ أناس أصدّوا النّاس بالسّيف عنهم |
|
صدود السّواقي عن أنوف الحوائم (١١) |
__________________
(١) قال ابن الأنباري : (ووجه التقدير لامتناع الإضافة ، ولأن «أعلم» لا يعمل في المفعول لأنه من المعاني ، والمعاني لا تنصب المفعول) البيان ٢ / ٢٣٩ ، وانظر البحر المحيط ٧ / ١٣٦.
(٢) قال أبو حيان : (ومن أجاز أن يأتي أفعل بمعنى فاعل ، وجاز مع ذلك أن ينصب به جاز أن ينتصب به إذ يؤوله بمعنى عالم ويعطيه حكمه) البحر المحيط ٧ / ١٣٦.
(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٨١ ، الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢.
(٤) في ب : قوله تعالى.
(٥) معاني القرآن ٢ / ٣١٣ ، وقال الأخفش : (استثناء خارج من أول الكلام في معنى لكن) المعاني ٢ / ٦٥٥.
(٦) في الكشاف : عليك.
(٧) الكشاف ٣ / ١٨١.
(٨) انظر البحر المحيط ٧ / ١٣٧.
(٩) انظر البغوي ٦ / ٣٧٢.
(١٠) لم أعثر على ذلك في النوادر ، وفي المختصر : قال ابن خالويه :(«وَلا يَصُدُّنَّكَ» حكاه أبو زيد عن رجل من كلب ، وقال : هي لغة قومه) ١١٤ ، وانظر البحر المحيط ٧ / ١٣٧.
(١١) البيت من بحر الطويل ، قاله ذو الرّمة ، وهو في ديوانه ٢ / ٧٧١ ، الكشاف ٣ / ١٨١. القرطبي ١٣ / ٣٢٢ ، اللسان (صدد) البحر المحيط ٧ / ١٣٧ ، وروي :
صدود السّواقي عن رؤوس المخارم
السواقي : مجاري الماء. المخرم : منقطع أنف الجبل ، يقول : صدوا الناس عنهم بالسيف كما صدّت هذه الأنهار عن المخارم ، فلم تستطع أن ترتفع إليها. الحوائم : الجمال العطاش ، لأنها تحوم حول الماء جمع حائم. والشاهد فيه قوله : (أصدّوا) فإنه بمعنى صدوا.