عظيمة ، فإن تقوى الله حق تقاته أمر عظيم فقدم عليها النداء الذي يكون للبعيد الغافل عنها. وأما هذه السور افتتحت بالحروف وليس فيها الابتداء بالكتاب والقرآن ، وذلك لأن ثقل القرآن هو ما فيه من التكاليف والمعاد ، وهذه السورة فيها ذكر جميع التكاليف حيث قال : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) يعني لا يتركون بمجرد ذلك ، بل لا بدّ وأن يؤمنوا بأنواع التكاليف ، ففيها المعنى الذي في السورة التي ذكر فيها القرآن المشتمل على الأوامر والنواهي.
فإن قيل : فهذا المعنى ورد في سورة التوبة وهو قوله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ١٦] ولم يقدم عليه حروف التهجي!
فالجواب : أن هذا ابتداء كلام ، ولهذا وقع الاستفهام بالهمزة ، فقال : «أحسب» ، وذلك وسط كلام بدليل وقوع الاستفهام تاما ، والتنبيه (يكون) (١) في أول الكلام ، لا في أثنائه.
وأما (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) فسيجيء في موضعه إن شاء الله تعالى (٢).
قوله تعالى : (أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا).
قوله : (أَنْ يُتْرَكُوا) سد مسد مفعولي «حسب» عند الجمهور (٣) ، ومسد أحدهما عند الأخفش (٤).
قوله : (أَنْ يَقُولُوا) فيه أوجه :
أحدها : أنه بدل من (أَنْ يُتْرَكُوا)(٥) ، أبدل مصدرا مؤولا من مثله.
الثاني : أنها على إسقاط الخافض (٦) ، وهو الباء واللام ، أي : بأن يقولوا ، أو لأن يقولوا.
__________________
(١) سقط من «ب».
(٢) وانظر كل هذا في تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٥ / ٢٧ ، و ٢٦ بالمعنى.
(٣) قال ابن الأنباري في البيان : «أن وصلتها في موضع نصب «بحسب» ، وقد سدت بصلتها مسدّ مفعولي حسب. البيان ٢ / ٢٤١ ، الهيئة العامة للكتاب تحقيق د / طه عبد الحميد طه ومراجعة مصطفى السقا ١٤٠٠ ه ١٩٨٠ م ، وانظر أيضا التبيان لأبي البقاء العكبري تحقيق على محمد البجاوي دار إحياء الكتب العربية ، وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٤٧ تحقيق د / زهير غازي زاهد عالم الكتب ط ثانية ـ ١٤٠٥ ه / ١٩٨٥ م ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٥٩ ط أولى ١٤٠٨ ه / ١٩٨٨ م عالم الكتب بيروت تحقيق عبد الجليل شلبي.
(٤) هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة ، من مشهوري نحويي البصرة ، وله كتب كثيرة في النحو والعروض مات سنة ٢١٨ ه ؛ انظر أخبار النحويين البصريين ٣٩ ط أولى ١٣٧٤ ه / ١٩٥٥ م تحقيق طه الزيني ومحمد عبد المنعم خفاجي ، ونزهة الألباء ١٦٨ جمعية إحياء مآثر علماء العرب بدون تاريخ. وانظر رأيه في الدر المصون ٤ / ٢٩١ رسالة دكتوراه إعداد / مصطفى خليل خاطر ، إشراف د / إبراهيم حسن ١٩٨٥ م ، وآخر مخطوط بمكتبة البلدية بالإسكندرية.
(٥) وقد أنكره الفارسي فيما نقله ابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٤١.
(٦) مشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ١٦٦ ، دار المأمون للتراث ، تحقيق / ياسين محمد السواس ط الثانية.