واختلفوا في سبب نزول هذه الآية ، قال الشعبي : نزلت في ناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام ، فكتب إليهم أصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لا يقبل منكم إقرار باللسان حتى تهاجروا ، فخرجوا عامدين إلى المدينة ، فاتبعهم المشركون فقاتلوهم ، فقتل بعضهم ونجا بعضهم ، فأنزل الله هاتين الآيتين (١).
وقال ابن عباس (٢) : نزلت في الذين آمنوا بمكة ، وكانوا يعذبون سلمة بن هشام (٣) وعياش بن أبي ربيعة ، والوليد بن الوليد ، وعمار بن ياسر (٤) وغيرهم.
وقال مقاتل (٥) : نزلت في مهجع بن عبد الله ، مولى عمر بن الخطاب ، كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «سيّد الشّهداء مهجع ، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة» (٦) ، فجزع أبواه وامرأته ، فأنزل الله فيه هذه الآية ، وقيل : وهم لا يفتنون بالأوامر والنواهي ، وذلك أن الله تعالى أمرهم في الابتداء بمجرد الإيمان ، ثم فرض عليهم الصلاة والزكاة وسائر الشرائع فشق على بعض فأنزل الله هذه الآية.
ثم عزاهم فقال : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني الأنبياء والمؤمنين ، فمنهم من نشر بمنشار ، ومنهم من قتل ، وابتلي بنو إسرائيل بفرعون ، فكان يسومهم سوء العذاب.
قوله : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا) العامة على فتح الياء مضارع «علم» المتعدية لواحد كذا قالوا وفيه إشكال تقدم وهو أنها إذا تعدت لمفعول كانت بمعنى عرف ، وهذا المعنى لا يجوز إسناده إلى الباري تعالى ، لأنه يستدعي سبق حصل ولأنه يتعلق بالذات فقط ، دون ما عليه من الأحوال (٧).
وقرأ عليّ وجعفر بن محمد (٨) بضم الياء (٩) مضارع «أعلم» ، (ويحتمل (١٠) أن
__________________
(١) أخرجه السيوطي في أسباب النزول عن الشعبي عن ابن أبي حاتم ص ١٣٣ ، التحرير القاهرة ١٣٨٢ ه ، وانظر القرطبي ١٣ / ٣٢٣.
(٢) تقدم.
(٣) سلمة بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي ، أسلم قديما ، وكان من خيار الصحابة وهاجر إلى الحبشة ومات مقتولا ، انظر : أسد الغابة ٣ / ٣٤٠ دار إحياء التراث العربي بيروت.
(٤) ابن عامر بن مالك حليف بني مخزوم ، وأمه سمية ، روى عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عدة أحاديث ، انظر الإصابة في معرفة أخبار الصحابة ٤ / ٥٧٥ دار نهضة مصر الفجالة القاهرة.
(٥) مقاتل بن سليمان بن كثير الأزدي المفسر ، روى عن مجاهد وعطاء وعنه عبد الرزاق وغيره ، انظر : طبقات الداودي ٢ / ٣٢٩ و ٣٣٠ دار الكتب العلمية ط ١ ، ١٤٠٣ ه / ١٩٨٣ م.
(٦) الكشاف ٣ / ١٩٦ وانظر هذه الأقوال في الرازي ٢٥ / ٢٨ ، والبحر المحيط ٧ / ١٣٩.
(٧) البحر المحيط السابق والدر المصون ٤ / ٢٩٣.
(٨) تقدم.
(٩) ذكرها ابن جني في المحتسب ٢ / ١٥٩ ، نشر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ١٣٨٩ ه.
وابن خالويه في مختصر الشواذ ط المتنبي ١١٤ ، وانظر كذلك القرطبي ١٣ / ٣٢٦ بدون نسبة.
(١٠) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».