السدي (١) ، وابن زيد (٢) هذا (في) (٣) المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين وكفر.
واعلم أنه قال : (فِتْنَةَ النَّاسِ) ولم يقل : «عذاب الناس» ؛ لأن فعل العبد ابتلاه من الله ، والفتنة تسليط بعض الناس على من أظهر كلمة الإيمان ليؤذيه فبين منزلته ، كما جعل التكاليف ابتلاء وامتحانا ، وهذا إشارة (إلى) (٤) أن الصبر على البلية الصادرة (من الإنسان) (٥) كالصبر (على العبادات) (٦) فإن قيل : هذا يقتضي منع المؤمن من إظهار كلمة الكفر بالإكراه لأن من أظهر كلمة الكفر بالإكراه ـ احترازا عن التعذيب العاجل ـ يكون قد جعل فتنة الناس كعذاب الله.
فالجواب : ليس كذلك لأن من أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان لم يجعل فتنة الناس كعذاب الله لأن عذاب الله يوجب ترك ما يعذب عليه ظاهرا وباطنا بل في باطنه الإيمان. قوله : (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) أي فتح ودولة للمؤمنين «ليقولنّ» يعني هؤلاء المنافقين للمؤمنين (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) على عدوكم ، وقال : (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) ولم يقل : «ولئن جاءكم» «ولئن جاءك» والنصر لو جاءهم ما كانوا يقولون إنا معكم ، وهذا يقتضي أن يكونوا قائلين : «إنا معكم» إذا جاء النصر لكن النصر لا يجيء إلا للمؤمنين كما قال تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، ولأن غلبة الكافر على المسلم ليس بنصر ، لأن النصر ما يكون عاقبته سليمة ، بدليل أن أحد الجيشين إذا انهزم في الحال ثم ذكر المهزوم كرة أخرى وهزموا الغالبين لا يطلق اسم النصر إلا على من كان له العاقبة فكذلك المسلم وإن كسر (٧) في الحال فالعاقبة للمتقين ، والنصر لهم في الحقيقة. فإن قيل : (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) ولم يقل : «من الله» مع أن ما تقدم كله يذكر الله كقوله : (أُوذِيَ فِي اللهِ) ، وقوله : (كَعَذابِ اللهِ) فما الحكمة في ذلك؟
فالجواب : لأن ـ «الرب» ـ اسم مدلوله الخاص به الشفقة والرحمة ، و «الله» اسم مدلوله الهيبة والعظمة ، فعند النصر ذكر الاسم الدال على الرحمة والشفقة ، وعند العذاب ذكر اللفظ الدال (٨) على العظمة. قوله : «ليقولنّ» العامة (٩) على ضم اللام ، أسند الفعل
__________________
(١) السدّيّ : محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل السدي كوفي ، متهم بالكذب من الطبقة الثامنة ، وهو صاحب «التفسير» وروى عن يحيى بن عبيد الله ، والكلبي وعن هشام بن عبيد الله ، انظر : طبقات الداودي ٢ / ٢٥٥ ، ٢٥٦.
(٢) هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي ، روى عن أبيه ، وابن المنكدر ، وعنه أصبغ ، وقتيبة ، له «التفسير» والناسخ والمنسوخ ، مات سنة ١٨٢ ه ، طبقات الداودي ١ / ٢٧١.
(٣) ساقط من ب.
(٤) في ب على.
(٥) ساقط من ب.
(٦) ساقط من ب.
(٧) في «ب» أكره وما في «أ» موافق لما في تفسير الفخر الرازي.
(٨) انظر : الفخر الرازي ٢٥ / ٣٩.
(٩) نقلها في البحر المحيط ٧ / ١٤٣ بنسبة ، وفي الكشاف ٣ / ١٩٩ بدون نسبة وكذلك في مختصر ابن ـ