الحاصل من الآفاق ، لقوله : (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) وعندها تم الدليلان فأكده بإظهار نفسه ، وأما الدليل الأول فأكده بالدليل الثاني فلم يقل : «ثم الله يعيده» فإن قيل : قال في الأولى : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) بلفظ المستقبل وهاهنا قال : (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ) بلفظ الماضي ، فما الحكمة؟
فالجواب : أن الدليل الأول هو الدليل النفسي الموجب للعلم ، وهو يوجب العلم ببدء الخلق (وأما(١) الدليل الثاني فمعناه إن كان ليس لكم علم بأن الله يبدأ الخلق) فانظروا إلى الأشياء المخلوقة (٢) ، فيحصل لكم العلم بأن الله بدأ خلقا ، وتحصل من هذا القدر بأنه «ينشىء» فإن قيل : قال في هذه الآية : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، وقال في الأولى : (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (فما فائدته) (٣).
فالجواب : فيه فائدتان :
إحداهما : أن الدليل الأول هو الدليل النفسي وهو وإن كان موجبا للعلم التام ، ولكن عند انضمام الدليل الآفاقي إليه يحصل العلم التام لأنه بالنظر في نفسه علم حاجته إلى غيره ووجوده (منه) (٤) فتم علمه (ب) (٥) أن الله على كل شيء قدير ، أن كل شيء من الله ، فقال عند تمام الدليل : إن الله على كل شيء قدير ، وقال عند الدليل الواحد إن ذلك على الله يسير وهو الإعادة.
الفائدة الثانية : أن العلم الأول أتم ، وإن (كان) (٦) الثاني أعم ، وكون (٧) الأعم يسيرا على الفاعل أتم من كونه مقدورا به ، بدليل قولك لمن يحمل مائة منّ أنه قادر عليه ، ولا يقول : إنه سهل عليه فإذا سئلت عن حمله عشرة (أمنات) (٨) يقول ذلك سهل يسير (٩) ، فنقول كان التقدير إن لم يحصل (١٠) لكم العلم التام بأن هذه الأمور عند الله سهل يسير فسيروا في الأرض ليعلموا أنه مقدور ، ونفس كونه مقدورا كاف في إمكان الإعادة.
قوله : (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ) ، قرأ ابن كثير (١١) وأبو عمرو النّشاءة ، بالمد (١٢) هنا ،
__________________
(١) ما بين المعقوفين ساقط من «ب».
(٢) انظر : التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي ٢٥ / ٤٧ ، ٤٨.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من «أ» وتكملة من «ب».
(٤) ساقط من «ب».
(٥) ساقط من «ب».
(٦) ساقط من «ب».
(٧) في ب : وإن كان الأعم يسيرا.
(٨) تصحيح من النسختين يقتضيه السياق من الفخر الرازي.
(٩) في ب : تمييز. وهو تحريف.
(١٠) في ب : يجعل.
(١١) تقدم.
(١٢) انظر : السبعة ٤٩٨ ، والإتحاف ٣٤٥ ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣١٥ ، وانظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٦٥ ، والدر المصون ٤ / ٣٠٠ ، والبحر المحيط ٧ / ١٤٦ ، والنشر ٢ / ٣٤٢ وتقريبه ١٥٨ ، وانظر حجة ابن خالوية بدون نسبة ٢٧٩.