تعذيب شخص فلا يمنعه منه مانع ثم كان من المعلوم للعباد بحكم الوعد والإيعاد أنه إذا شاء تعذيب الكافر فلزم منه الخوف العام بخلاف ما لو قال : يعذب العاصي ، فإنه لا يدل على كمال مشيئته لأنه لا يبعد (١) أنه لو شاء عذاب المؤمن لعذبه ، وإذا لم يبعد (٢) هذا فنقول الكافر إذا لم يحصل مراده في تلك الصورة يمكن أن (لا) (٣) يحصل في صورة أخرى (٤).
ومثاله إذا قيل : إن الملك يقدر على ضرب المخالفين ، ولا يقدر على ضرب المطيع فإذا قال : من خالفني أضربه يقع في وهم المخاطب أنه لا يقدر على ضرب المطيع ، فلا يقدر (٥) أيضا عليّ (لكوني مثله) (٦) ، وفيه فائدة أخرى وهو الخوف العام والرجاء العام لأن الأمن الكلي من الله يوجب الجراءة فيفضي إلى صيرورة المطيع عاصيا.
قوله : (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) أي تردّون (٧) ، (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) والخطاب مع الآدميين وهم ليسوا في السماء ، قال الفراء (٨) معناه : ولا من في السماء بمعجز (إن عصى) (٩) كقول حسّان :
٤٠٢٨ ـ فمن يهجو رسول الله منكم |
|
ويمدحه وينصره سواء (١٠) |
أراد : ومن يمدحه وينصره ، فأضمر «من» يريد لا يعجز أهل الأرض في الأرض ، ولا أهل السماء في السماء يعني (على) (١١) أن (مَنْ فِي السَّماواتِ) عطف على «أنتم» بتقدير : أن يعصي ، قال الفراء : وهو من غوامض العربية (١٢). قال شهاب الدين : وهذا على أصله ، حيث يجوز حذف الموصول الاسميّ ، ويبقى صفته (١٣).
__________________
(١) في كتاب الفخر الرازي يفيد وهو الأصحّ والصواب.
(٢) في كتاب الفخر الرازي يفيد وهو الأصح والصواب.
(٣) سقط النفي هذا من تفسير الفخر الرازي.
(٤) انظر : التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ٤٩.
(٥) في ب : ولا يقدر ـ بالواو.
(٦) ساقط من ب. والعبارة في تفسير الفخر الرازي ، انظره ٢٥ / ٤٩.
(٧) انظر : غريب القرآن لابن قتيبة ٣٣٧ ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ٢ / ١١٤ «ترجعون».
(٨) انظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٣١٥.
(٩) ما بين القوسين ساقط من كتاب الفراء نفسه ومثبت في كلتا النسختين وفي البحر والدر المصون ، انظر البحر المحيط ٧ / ١٤٧ ، والدر المصون ٤ / ٣٠٠.
(١٠) البيت لحسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ يرد به على الزّبعرى وغيره من شعراء قريش ، وهو من تمام الوافر وشاهده في قوله : «ويمدحه» حيث حذف الموصول الاسمي من «يمدحه» وأبقى صلته على رأي الفراء والكوفيين. وبرواية : «أمن» وقد تقدم.
(١١) زيادة من ب.
(١٢) انظر : معاني الفراء ٢ / ٣١٥.
(١٣) انظر الدر المصون ٤ / ٣٠٠.