إبراهيم سبقه بذلك ، واجتهد فيه حتى اشتهر الأمر بالتوحيد عند (١) الخلق عن «إبراهيم» فلم يحتج (٢) «لوط» إلى ذكره ، وإنما ذكر ما اختص به من المنع من الفاحشة وغيرها ، وإن كان هو بدأ يأمر بالتوحيد ، (إذ ما من رسول إلا ويكون أكثر كلاما في التوحيد ، وأما «شعيب» فكان بعد انقراض ذلك الزمان ، وذلك القوم ، فكان هو أصلا في التوحيد) (٣) فبدأ به وقال (٤) اعبدوا الله.
قوله : (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) ، قال الزمخشري (٥) : معناه افعلوا فعل من يرجو اليوم الآخر ؛ إذ يقول القائل لغيره : كن عاقلا ويكون معناه افعل فعل من يكون عاقلا ، فقوله : (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) بعد قوله : (وَاعْبُدُوا اللهَ) يدل علي التفضل لا على الوجوب.
قوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ، تقدم الكلام عليه (٦) ، ونصب «مفسدين» على المصدر ، كقول القائل : اجلس قعودا.
قوله : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ).
فإن قيل : (ما الحكمة) (٧) فيما حكاه الله عن شعيب من أمر ونهي ، فالأمر لا يكذب ، ولا يصدق ، فإن قال لغيره اعبد الله لا يقال له : كذبت؟
فالجواب : كان شعيب يقول : الله واحد فاعبدوه ، والحشر كائن فارجوه ، والفساد محرم فلا تقربوه ، وهذه فيها إخبارات ، فكذبوه بما أخبر به.
(فإن قيل (٨) هنا) قال في الأعراف : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) وقال في هود : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) والحكاية واحدة.
(فالجواب) (٩) : لا تعارض بينهما ، فإن الصيحة كانت سببا للرجفة ، قيل : إن جبريل صاح فتزلزت الأرض من صيحته ، فرجفت قلوبهم ، والإضافة إلى السبب لا تنافي الإضافة إلى سبب السبب.
فإن قيل : ما الحكمة في أنه حيث قال : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) قال : (فِي دِيارِهِمْ) وحيث قال : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) قال في «دارهم»؟
__________________
(١) في ب : فإن قيل : إنه.
(٢) في ب : قد يحتج إلى لوط إلى ذكره.
(٣) ساقط من ب.
(٤) في «ب» فقال.
(٥) انظر : الكشاف ٣ / ٢٠٥.
(٦) يقصد أن هذه الآية مكررة في البقرة ، والأعراف ، وهود ، والشعراء بأرقام ٦٠ و ٧٤ و ٨٥ و ١٨٣ وقد فهم من هذه الآيات عند التعرض لها أن هؤلاء القوم كانوا يفعلون ذلك مع توليهم أنواع الفساد فنهوا عن ذلك ، ويقال : عثا في الأرض وعثي وعاث وذلك نحو قطع الطريق والإغارة وإهلاك الزروع.
انظر : اللباب البقرة ميكروفيلم.
(٧) زائد من «ب» فأما ما في «أ» فهو فإن قيل ما حكاه الله الخ ...
(٨) في «ب» فصل : قال ههنا.
(٩) ساقط من «ب».