كتابه ، وهذا كما يقول الصادق إذا كذب ، وأتى بكل ما يدل على صدقه ولم يصدقه المعاند : «الله يعلم صدقي وتكذيبك أيها المعاند وهو على ما أقول شهيد يحكم بيني وبينك» ، كل ذلك إنذار وتهديد ثم بين كونه كافيا ، بكونه عالما بجميع الأشياء ، فقال : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
فإن قيل : ما الحكمة في أنه أخر شهادة أهل الكتاب في آخر الوعد في قوله : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ، قُلْ : كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)(١) وهنا قدم شهادة أهل الكتاب ، فقال : (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ (٢) بِهِ)) أي من أهل الكتاب؟
فالجواب : أن الكلام هناك (٣) مع المشركين فاستدل عليهم بشهادة غيرهم (ثم) (٤) إن شهادة الله أقوى (في (٥) إلزامهم) من شهادة غير الله ، وهاهنا الكلام مع أهل الكتاب فشهادة (٦) الله على نفسه هو إقراره وهو أقوى الحجج عليه فقدم ما هو ألزم عليهم ، ثم (إنه) (٧) تعالى لما بين الطريقتين في إرشاد الفريقين المشركين وأهل الكتاب عاد الكلام الشامل لهما والإنكار العام فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) ، قال ابن عباس : بغير الله (وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
فإن قيل : قوله (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) يقتضي الحصر ، أي من أتى بالإيمان (بالباطل) (٨) والكفر (بالله) (٩) فهو الخاسر فمن يأتي بأحدهما دون الآخر ينبغي أن لا يكون خاسرا.
فالجواب : أنه يستحيل أن يكون الآتي بأحدهما لا يكون آتيا بالآخر لأن المؤمن بما سوى الله مشرك ، لأنه جعل غير الله مثله ، وغير الله عاجز ممكن باطل فيكون الله كذلك ، ومن كفر بالله وأنكره فيكون قائلا بأن العالم ليس له إله موجود فوجود العالم من نفسه فيكون قائلا : بأن العالم واجب الوجود ، والواجب إله (فيكون (١٠) قائلا) بأن غير الله إله فيكون إثباتا لغير الله وإيمانا به (١١).
فإن قيل : إذا كان الإيمان بما سواه كفرا (به) (١٢) فيكون كل من آمن بالباطل فقد كفر بالله فهل لهذا العطف فائدة (غير التأكيد) (١٣) الذي في قول القائل (قم ولا تقعد و «واقترب مني ولا تبعد»؟
__________________
(١) الرعد : ٤٣.
(٢) ساقط من «ب».
(٣) في «ب» هنا.
(٤) ساقط من «ب».
(٥) ساقط من «ب».
(٦) في «ب» فشهادة المرء على نفسه هو أقوى إقراره.
(٧) ساقط من «ب».
(٨) ساقط من «ب».
(٩) ساقط من «ب».
(١٠) ساقط من «ب».
(١١) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٨٠.
(١٢) زيادة من «ب».
(١٣) ساقط من «ب».