فالجواب : أن المقصود ذكر ما تتميز به نار جهنم عن نار الدنيا ، (ونار) (١) الدنيا تحيط بالجوانب الأربعة فإن من دخلها تكون الشعلة قدامه وخلفه ويمينه ويساره (٢) ، فأمّا النار من فوق لا تنزل وإنما تصعد من أسفل في العادة وتحت الأقدام ، ولا تبقى الشعلة بل تنطفىء الشعلة التي تحت القدم ، ونار جهنم تنزل من فوق ولا تنطفىء بالدوس موضع القدم (٣).
فإن قيل : ما الحكمة في قوله : (مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) ولم يقل : من فوق رؤوسهم ولا قال من فوقه م (ولا من (٤) تحتهم) بل ذكر المضاف إليه عند ذكر «تحت» ولم يذكره عند ذكر «فوق»؟
فالجواب : أن نزول النار من «فوق» سواء كان من (سمت) (٥) الرأس أو موضع آخر عجيب(٦) فلهذا لم يخصه بالرؤوس وأما بقاء النار تحت القدم فهو عجيب ، وإلا فمن جوانب القدم في الدنيا تكون الشعلة فذكر العجيب وهو ما تحت الأرجل حيث لم ينطق بالدّوس. وأما «فوق» فعلى الإطلاق.
قوله : (وَيَقُولُ ذُوقُوا) قرأ نافع وأهل الكوفة «ويقول» بياء الغيبة أي الله تعالى ، أو الملك الموكل بعذابهم ، وباقي السبعة بالنون أي جماعة الملائكة ، أو نون العظمة لله تعالى (٧) ، وأبو البرهشم (٨) بالتاء من فوق أي جهنم كقوله : (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق : ٣٠] وعبد الله (٩) وابن أبي (١٠) عبلة : «ويقال» مبنيا للمفعول (١١) ، وقوله : (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي جزاء ما كنتم تعملون لما بين عذاب أجسامهم بين عذاب أرواحهم وهو أن يقال لهم على سبيل التنكيل والإهانة (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) جعل ذلك عين ما كانوا يعملون مبالغة بطريق إطلاق اسم المسبّب على السّبب ، فإن عملهم كان سببا لعذابهم وهذا كثير في الاستعمال.
قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً
__________________
(١) ساقط من «ب».
(٢) في «ب» وشماله.
(٣) انظر : تفسير الفخر الرازي ١٥ / ٨١ و ٨٢.
(٤) ساقط من «ب».
(٥) ساقط من «ب».
(٦) هكذا في عبارة «أ» والفخر الرازي وفي «ب» لأن طبع النار الصعود إلى فوق فلهذا لم يخصه الخ.
(٧) الإتحاف ٦ / ٣٤ ، والسبعة ٥٠١ ، والكشف ٢ / ١٨٠.
(٨) أبو البرهشم : عمران بن عثمان أبو البرهشم الزبيدي الشامي ، صاحب القراءة الشاذة ، روى الحروف عن يزيد بن قطيب السكوني وروى الحروف عنه شريح بن يزيد. انظر : غاية النهاية ١ / ٦٠٤ و ٦٠٥.
(٩) هو ابن مسعود ونقلته «ب» خطأ فهو فيها «عبيد الله».
(١٠) تقدم.
(١١) انظر : تفسير البحر المحيط لأبي حيان ٧ / ١٥٦.