قوله : «غرفا» على القراءة الأولى إما مفعول به على تضمين «أثوى» أنزل فيتعدى لاثنين ؛ لأن «ثوى» قاصر ، وأكسبته الهمزة التعدي لواحد ، وإما (على) (١) تشبيه الظرف المختص بالمبهم (٢) كقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) وإما على إسقاط الخافض اتساعا أي في غرف (٣). وأما في القراءة الثانية فمفعول ثان ؛ لأن «بوأ» يتعدى لاثنين (٤) قال تعالى : (تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ)(٥) ، ويتعدى باللام ، قال تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ)(٦). وقرىء «لنثوينّهم» (٧) بالتشديد مع الثاء المثلثة ، عدّي بالتصعيف كما عدّي بالهمزة (٨) ، و «تجري» صفة «لغرفا» (خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) وهذا في مقابلة قوله للكفار : (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
قوله : (الَّذِينَ صَبَرُوا) يجوز فيه الجر والنصب والرفع (٩) كنظائر له تقدمت ، والمعنى : الذين صبروا على الشدائد ولم يتركوا دينهم لشدة لحقتهم (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) يعتمدون. قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) جوز أبو البقاء في «كأين» (١٠) وجهين :
أحدهما : أنها مبتدأ و «لا تحمل» صفتها و (اللهُ يَرْزُقُها) خبره و «من دابة» تبيين.
والثاني : أن تكون في موع نصب بإضمار فعل يفسره «يرزقها» ويقدر بعد «كأين» يعني لأن لها صدر الكلام ، وفي الثاني نظر ؛ لأن من شرط المفسر العمل ، وهذا المفسر لا يعمل لأنه لو (١١) عمل لحل محل المفعول لكن لا يحل محله ، لأن الخبر (متى (١٢)
__________________
(١) ساقط من «ب».
(٢) الظرف المختص : قسمان معدود وهو ما له مقدار من الزمان معلوم كسنة وشهر ويومين ، وغير معدود وهو أسماء الأيام كالسبت وغيره وما يخصص بالإضافة كيوم الجمل ، أو بأل كاليوم ، والليلة ، أو بالصفة : كقعدت عندك يوما قعد عندك فيه زيد ، وما أضافت إليه العرب لفظ شهر من أعلام الشهور وهو رمضان ، وربيع الأول ، وربيع الآخر خاصة ، أما الظرف المبهم فهو ما وقع على قدر من الزمان غير معين ، كوقت ، وحين وزمان ، وينصب على جهة التأكيد المعنوي لأنه لا يزيد على دلالة الفعل ومنه «أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً» انظر : الهمع ١ / ١٩٥ و ١٩٦.
(٣) البحر المحيط ٧ / ١٥٧.
(٤) السابق.
(٥) آل عمران : ١٢١.
(٦) [الحج : ٢٦]. ويرى ابن الأنباري أن اللام في هذه الآية زائدة ، والفعل تعدى إلى مفعولين.
(٧) انظر : البيان ٢ / ٢٤٦. لم ينسبها في البحر ٧ / ١٥٧ إلى معيّن.
(٨) انظر : السابق والدر المصون ٤ / ٣٠٩.
(٩) الدر المصون ٤ / ٣٠٩.
(١٠) التبيان ١٠٣٤.
(١١) فلا يقال : «قام زيد» على أن «زيدا» مبتدأ مؤخر ، و «قام» جملة فعلية خبر مقدم ، وذلك لئلا يلتبس المبتدأ بالفاعل فيجب حينئذ التزام الأصل هذا من جهة اللفظ ، وأما من جهة المعنى فالمبتدأ محكوم عليه فيجب أن يتقدم ما لم يمنع من ذلك مانع كأن يكون الخبر اسم استفهام له صدر الكلام.
(١٢) ساقط من «ب».