قوله : «سيغلبون» خبر المبتدأ ، و (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) متعلق به ، والعامة ـ بل نقل بعضهم الإجماع (١) ـ على سيغلبون مبنيا للفاعل ، فعلى الشهيرة واضح أي من بعد أن غلبتهم فارس سيغلبون فارس ، وأما على القراءة الثانية فأخبر أنهم سيغلبون ثانيا بعد أن غلبوا (٢) أولا ، وروي عن ابن عمر أنه قرأ ببنائه للمفعول (٣). وهذا مخالف لما ورد في سبب الآية ، وما ورد في الأحاديث ، وقد يلائم هذا بعض ملاءمة من قرأ «غلبت» مبنيا للفاعل ، وقد تقدم أن ابن عمر ممن قرأ (بذلك (٤)). وقد خرج النحاس (٥) قراءة عبد الله بن عمر على تخريج حسن ، وهو أن المعنى : وفارس من بعد غلبهم للروم (٦) سيغلبون إلا أن فيه إضمار ما لم يذكر ولا جرى سبب ذكره (٧).
قوله : (فِي بِضْعِ سِنِينَ) متعلق بما قبله ، وتقدم تفسير البضع واشتقاقه في «يوسف» (٨). وقال الفراء : الأصل (٩) في غلبهم غلبتهم بتاء التأنيث فحذلت للإضافة كإقام الصلاة ، وغلطه النحاس بأن إقام الصلاة قد يقال فيها (١٠) ذلك لاعتلالها ، وأما هنا فلا ضرورة تدعو إليه. وقرأ ابن السّميفع (١١) وأبو حيوة غلبهم (١٢) فيحتمل أن يكون ذلك تخفيفا شاذّا ، وأن يكون لغة في المفتوح كالظّعن والظّعن.
__________________
(١) هو ابن عطية قال : «وأجمع الناس على «سيغلبون» أنه بفتح الياء يراد به الروم» انظر : المحرر الوجيز «ميكروفيلم».
(٢) في «ب» تغلبوا.
(٣) انظر : مختصر ابن خالويه ١١٦ ، وإعراب القرآن المنسوب للزجاج ٢ / ٤٦١ ، والدر المصون ٤ / ٣١٣ ، والقرطبي ١٤ / ٥ ، وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٦١ لكنه قال : «ستغلبون» بالبناء للمجهول من ناحية الخطاب.
(٤) ساقط من «ب».
(٥) النحاس : هو أبو جعفر أحمد بن محمد المصري ، تلقى مبادىء اللغة بمصر ثم ارتحل إلى العراق فتلقى عن الأخفش ، والزجاج وابن الأنباري كان قويّ الذاكرة جيد التصنيف ، مات مقتولا سنة ٣٣٧ ه. انظر : نشأة النحو ١٥٧.
(٦) لم أجد في كتاب أبي جعفر النحاس هذا التأويل والتخريج ولعل هذا راجع إلى اختلاف نسخ الكتاب وقد ذكر هذه القراءة الواردة عن ابن عمر.
(٧) انظر : إعراب القرآن المسمى «الدر المصون في علوم الكتاب المكنون» للسمين ٤ / ٣١٣.
(٨) يشير إلى قوله «فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ» من الآية ٤٢.
(٩) معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٦٩.
(١٠) انظر : إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٦١ ، ٢٦٢.
(١١) ابن السميفع : محمد بن عبد الرحمن بن السميفع أبو عبد الله اليماني له اختيار في القراءة ينسب إليه شذ فيه ، قرأ على أبي حيوة وطاوس. انظر : غاية النهاية ٢ / ١٦٢.
(١٢) قال ابن خالويه في المختصر : إنها لعلي كرم الله وجهه ونقلها أبو حيان في البحر عن علي ، وابن عمر ومعاوية بن قرة ٧ / ١٦١ وانظر : مختصر ابن خالويه ١١٦.