وحكاية أشكالهم فقال : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وقال في الدليلين المتقدمين (أَوَلَمْ يَرَوْا) (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) إذ لا حاجة هناك إلى السير بحضور (١) النفس والسماء والأرض ، وقال ههنا (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فَيَنْظُرُوا) ذكرهم بحال أمثالهم ، ومآل (٢) أشكالهم ثم ذكر أنهم أولى بالهلاك ، لأن من تقدم من (عادٍ وَثَمُودَ) كانوا (٣) أشدّ منهم قوة ، ولم ينفعهم قواهم (٤) وكانوا أكثر مالا وعمارة ، ولم يمنعهم من الهلاك أموالهم وحصونهم.
قوله : (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) حرثوها وقلبوها للزراعة (ومن ه «البقرة تثير الأرض (٥)» وقيل : منه سمي ثورا) ، وأنتم لا حراثة لكم ، (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) أهل مكة ، قيل : قال ذلك لأنه لم يكن لأهل مكة حرث ، وقوله : (أَكْثَرَ مِمَّا) نعت (٦) مصدر محذوف أي عمارة أكثر من عمارتهم. وقرىء : «وآثاروا (٧)» بألف بعد الهمزة وهي إشباع لفتح الهمزة.
قوله : (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) فلم يؤمنوا فأهلكهم الله ، (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بنقص حقوقهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ببخس حقوقهم.
قوله : (عاقِبَةَ الَّذِينَ) قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو بالرفع (٨) ، والباقون بالنصب ، فالرفع على أنها اسم كان (٩) ، وذكر الفعل لأن التأنيث مجازي ، وفي الخبر حينئذ وجهان :
أحدهما : «السوءى» أي الفعلة السوءى والخصلة السوءى.
والثاني : (أَنْ كَذَّبُوا) أي كان آخر أمرهم التكذيب فعلى الأول يكون في (أَنْ كَذَّبُوا) وجهان :
أحدهما : أنه على إسقاط الخافض إما لام العلة أي لأن كذبوا ، وإما باء السببية أي
__________________
(١) في «ب» لحضور باللام. وما هنا والفخر الرازي بحضور بالباء.
(٢) في «ب» أمثال أشكالهم.
(٣) في «ب» وكانوا أكثر منهم قوة.
(٤) في «ب» قوتهم.
(٥) ما بين القوسين بياض في «ب» وهو ساقط منها. وانظر : غريب القرآن لابن قتيبة ٣٤٠ ، والمجاز لأبي عبيدة ٢ / ١١٩ قال : «استخرجوها».
(٦) انظر : الدر المصون ٤ / ٣١٥ والتبيان ١٠٣٧.
(٧) انظر : البحر المحيط ٧ / ١٦٤ ، وقد نسبها إلى أبي جعفر ، وانظر : السبعة لابن مجاهد ٥٠٦ وقد اعترض ابن مجاهد على هذه القراءة وكذلك أبو الفتح الذي قال : إنّ الإشباع من ضرورة الشعر.
انظر : البحر ٧ / ١٦٤ ، والمحتسب ٢ / ١٦٣.
(٨) انظر : الإتحاف ٣٦٤ والسبعة ٥٠٦ ، وإبراز المعاني ٦٤٠ وإعراب النحاس ٤ / ٢٦٦.
(٩) انظر : الكشف لمكي ٢ / ١٨٢ والبيان لابن الأنباري ٢ / ٢٤٩.