بذلك ليذيقهم وقيل : اللام للصيرورة (١). وقرأ قنبل (٢) : «لنذيقهم» بنون (٣) العظمة ، والباقون بياء الغيبة والمعنى : لنذيقهم عقوبة بعض الذي عملوا من الذنوب (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن الكفر وأعمالهم الخبيثة ، قوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) لما بين حالهم بظهور الفساد في أحوالهم بسبب فساد أقوالهم بين لهم ضلال أمثالهم وأشكالهم الذين كانت أفعالهم كأفعالهم فقال : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) أي قوم نوح وعاد وثمود ليروا منازلهم ومساكنهم خاوية (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) فأهلكوا بكفرهم.
قوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) لما (نهى (٤)) الكافرين (٥) عما هم عليه ، أمر المؤمنين بما هم عليه وخاطب النبي ـ عليه الصلاة والسلام (٦) ـ ليعلم المؤمن فضيلة ما هو (٧) مكلّف به فإنه أمر بما شرف الأنبياء الدّين القيم أي المستقيم وهو دين الإسلام.
قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) المرد مصدر «ردّ» و (مِنَ اللهِ) يجوز أن يتعلق ب «يأتي» أو بمحذوف يدل عليه المصدر أي لا يرده من الله أحد (٨) ، ولا يجوز أن يعمل فيه «مرد» لأنه كان ينبغي أن ينوّن ؛ إذ هو من قبيل المطوّلات (٩) ، والمراد يوم القيامة لا يقدر أحد على رده من الله وغيره عاجز عن رده ، فلا بد من وقوعه. (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) أي يتفرقون فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، ثم أشار إلى التفرق بقوله : (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أي وبال كفره (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) أي يوطئون المضاجع ويسوّونها في القبور. قوله : (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) و (فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) تقديم الجارين يفيد الاختصاص (١٠) يعني أنّ ضرر كفر هذا ، ومنفعة عمل هذا لا يتعداه ، ووحد الكناية في قوله : «فعليه» وجمعها في قوله : (فَلِأَنْفُسِهِمْ) إشارة إلى أن الرحمة أعم من الغضب فتشمله وأهله وذريته ، وأما الغضب فمسبوق بالرحمة لازم لمن أساء وقال : (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ)
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٢٢٤.
(٢) قنبل : محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن سعيد أبو عمر المخزومي مولاهم المكي المقب بقنبل شيخ القراء بالحجاز أخذ القراءة عن أحمد بن عوف وروى القراءة عنه البزّي وغيره مات سنة ٢٩١.
انظر غاية النهاية ١٦٥ و ١٦٦ / ٢.
(٣) انظر : الكشاف ٣ / ٢٢٤ والبحر المحيط ٧ / ١٧٦ والإتحاف ٣٤٨ والقرطبي ١٤ / ٤١ وهي قراءة السّلميّ ويعقوب وابن عباس أيضا.
(٤) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٥) في «ب» الكافر بدلا من الكافرين.
(٦) في «ب» صلىاللهعليهوسلم.
(٧) نقله الإمام الفخر الرازي في تفسيره ٢٥ / ١٢٩.
(٨) ذكره الزمخشري في كشافه ٣ / ٢٢٥ وفيه «حد» بدل أحد.
(٩) يريد أنه شبيه بالمضاف لأنه لما كان غير منون وتعلق به ما بعده وهو قوله : «له» اكتفي به لأن المضاف لا يضاف إلى شيئين منفصلين في وقت واحد.
(١٠) هذا هو المفهوم من كتاب الكشاف للزمخشري ٣ / ٢٢٤.