المسلم رجع إلى بيان حال الكافر وقال : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ)) أي لا تحزن إذا كفر كافر ، فإن من يكذب وهو مقطوع بأن صدقه بين عن قرب لا تحزن بل قد يتوب (١) المكذب عن تكذيبه ، وأما إذا كان لا يرجو ظهور صدقه فإنه يتألم من التكذيب فقال : «لا (يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) فإن المرجع إليّ «فينبئهم (بِما عَمِلُوا) فينخجلون ثم قال (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي لا يخفى عليه سرّهم وعلانيتهم فينبئهم بما أسرّته صدورهم.
قوله : (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) أي نمهلهم ليتمتعوا بنعم الدنيا قليلا إلى انقضاء آجالهم (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ) نلجئهم ونردهم في الآخرة (إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) وهو عذاب النار.
قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ...) الآية لما استدل بخلق السموات بغير عمد ، وبنعمه الظاهرة والباطنة بين أنهم يعترفون بذلك ولا ينكرونه وهذا يقتضي أن الحمد كله لله لأن خالق السموات والأرض محتاج (٢) إليه كلّ من في السماوات والأرض ، وكون الحمد كله لله (٣) يقتضي أن لا يعبد غيره لكنهم لا يعلمون هذا ، ووجه آخر وهو أن الله تعالى لما سلى قلب النبي ـ عليهالسلام (٤) ـ بقوله : (فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) أي لا تحزن على تكذيبك فإن صدقك وكذبهم يتبين عن قريب وهو رجوعهم إلينا بل لا يتأخر إلى ذلك اليوم بل يتبين قبل يوم القيامة بأنهم يعترفون بأن خالق السموات والأرض هو الله ، ثم قال في دعوى الوحدانية وتبيين كذبهم في الشرك (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على (ظهور (٥)) صدقك وكذبهم (٦)(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي ليس لهم علم يمنعهم من تكذيبك مع اعترافهم بما يوجب تصديقك ، وعلى هذا يكون (لا يَعْلَمُونَ) استعجالا للفعل مع القطع عن المفعول بالكلية ، كما يقال : فلان يعطي ويمنع ولا يكون ضميره من يعطي بل يريد أن له عطاء ومنعا فكذلك ههنا قال : (لا يَعْلَمُونَ) أي ليس لهم علم ، وعلى الأولى يكون (لا يَعْلَمُونَ) (له (٧) مفعول مفهوم) وهو أنهم لا يعلمون أن الحمد كلّه لله وعلى الثاني هو كقول القائل : فلان لا علم له بكذا.
قوله : لا علم له وكذا قوله : فلان لا ينفع زيدا ولا يضره دون قوله : «فلان لا يضر ولا ينفع(٨)».
قوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ذكر ما يلزم منه وهو أن يكون له ما
__________________
(١) في تفسير الفخر الرازي بل قد يؤنب المكذب على الزيادة في التكذيب.
(٢) في «ب» يحتاج.
(٣) في «ب» وكون الحمد كلمة لله.
(٤) في «ب» صلىاللهعليهوسلم.
(٥) ساقط من «ب».
(٦) في «ب» وتبين كذبهم.
(٧) ساقط من «ب».
(٨) وانظر في هذا كله التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ١٥٥.