قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ (بِغَيْرِ عِلْمٍ) نزلت في النضر بن (١) الحرث ، وأبيّ بن خلف وأشباههم كانوا يجادلون النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ) وفي صفاته (بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أي بغير هدى أرسلناه إليه (وحيا (٢) ولا بكتاب يتلى عليه وعظا) (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) بين أن مجادلتهم مع كونها من غير علم فهي في غاية القبح ، فإن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان يدعوهم إلى كلام الله وهم يأخذون بكلام آبائهم وبين كلام الله وكلام العلماء بون عظيم فكيف ما بين كلام الله وكلام الجهال (٣)؟ ثم قال : (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) ، جواب «لو» محذوف ومجازه : يدعوهم فيتبعونه أي يتبعون الشيطان وإن كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ، والمعنى أن الله يدعوهم إلى الثواب ، والشيطان يدعوهم إلى العذاب وهم مع هذا يتبعون (الشيطان) (٤) وقد تقدم الكلام على (أَوَلَوْ) ونحوه.
قوله : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) قرأ عليّ (والسّلميّ (٥)) «يسلّم» بالتشديد (٦) ، لما بين حال المشرك والمجادل (٧) في الله بين حال المستسلم المسلم لأمر الله وقوله : (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي لله يعني يخلص دينه لله ويفوض أمره إليه وهو محسن في عمله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه لأن أوثق العرى جانب الله ، فإن كل ما عداه هالك منقطع وهو باق لا انقطاع له (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) يعني فقد استمسك بالعروة التي توصله إلى الله لأن عاقبة كلّ شيء إليه. فإن قيل : كيف قال ههنا : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) (فعداه «بإلى (٨)» وقال في البقرة : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ)) فعداه باللّام؟ فقال الزمخشري : أسلم لله(٩) أي إلى الله يعني أنّ «أسلم» يتعدى تارة «باللام» وتارة «بإلى» كما يتعدى «أرسل» تارة باللام ، وتارة «بإلى» قال تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ) [النساء : ٧٩] وقال : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) [المزمل : ١٥] ثم قال : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) (لما بين (١٠) حال
__________________
(١) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».
(٢) كذلك.
(٣) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٥٣.
(٤) ساقط من «ب».
(٥) سقطت من «ب».
(٦) إعراب القرآن للنحاس ٤ / ٢٨٧ ومختصر ابن خالويه ١١٧ بنسبتها أيضا إلى عبد الله بن مسلم بن يسار. والقرطبي ١٤ / ٧٤ والكشاف ٣ / ٢٣٥ والبحر المحيط ٧ / ١٩٠ ومعاني الفراء ٢ / ٣٢٩.
(٧) في «ب» والمجاهد وهو تحريف.
(٨) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٩) الكشاف للزمخشري ٣ / ٢٣٥ قال : «فإن قلت : ما له عدي بإلى وقد عدي باللام في قوله : بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن؟ قلت : معناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالما لله أي خالصا له. ومعناه مع «إلى» أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه».
(١٠) ما بين القوسين ساقط من «ب».