يدي في يده. فسكنت الريح فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه (١) ، وقال مجاهد : مقتصد (٢) في القول أي من الكفار لأن منهم من كان أشد قولا من بعض.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله في العنكبوت : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) وقال ههنا : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ)؟!.
فالجواب : لما ذكر ههنا أمرا عظيما وهو الموج الذي كالجبال بقي أثر ذلك في قلوبهم فخرج منهم مقتصد أي في الكفر وهو الذي انزجر بعض الانزجار (٣) ، ومقتصد في الإخلاص فيبقي معه شيء منه ولم يبق على ما كان عليه من الإخلاص ، وهناك لم يذكر مع ركوب البحر معانيه مثل ذلك الأمر فذكر إشراكهم حيث لم يبق عندهم أثر.
قوله : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) في مقابلة قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) يعني يعترف بها الصبار والشكور ، ويجحدها الختّار الكفور فالصّبّار في موازنة الختار لفظا ومعنى ، والكفور في موازنة الشكور أمّا لفظا فظاهر ، وأما معنى فلأن الختار هو الغدار الكثير الغدر ، أو شديد الغدر مثال مبالغة من الختر وهو أشد الغدر (قال الأعشى) :
٤٠٦٠ ـ بأبلق الفرد من تيماء منزله |
|
حصن حصين وجار غير ختّار (٤) |
وقال عمرو بن معديكرب :
٤٠٦١ ـ فإنّك لو رأيت أبا عمرو |
|
ملأت يديك من غدر وختر (٥) |
وقالوا : «إن مددت لنا يدا من غدر مددنا لك باعا من ختر» (٦) والغدر لا يكون إلا من قلة الصبر لأن الصبور إن لم يعقد مع أحد لا يعهد منه الإضرار فإنه يصبر ويفوض الأمر إلى الله ، وأما الغدار فيعاهدك ولا يصبر على العهد (٧) فينقضه وأما أن الكفور في مقابلة الشكور معنى ظاهر.
__________________
(١) نقله ابن الجوزي في زاد المسير ٦ / ٣٢٨.
(٢) انظر : القرطبي ١٤ / ٨٠.
(٣) في «ب» بعض انزجاره.
(٤) هو له كما أخبر أعلى من البسيط والرواية في اللسان والقرطبي : «بالأبلق» وهو قصر السموءل بن عادياء. وتيماء : موضع ورواية القافية في الديوان : «غير غدار» بدل من ختار محل الشاهد حيث جيء به استدلالا على أن الختر هو أشد الغدر وأفظعه وانظر مجاز القرآن ٢ / ٢٩ والقرطبي ١٤ / ٨٠ ولسان العرب : «ت ي م» ٤٦٢ و «ب ل ق» وديوانه ٦٩ ، وانظر كذلك صحاح الجوهرة : «خ ت ر».
(٥) من الوافر له والأصح : أبا عمير «بدل من عمرو» حتى يتسنى الوزن والغدر : غير الختر بدليل عطف الختر عليه وقيل : هما بمعنى. والشاهد فيه كسابقه حيث تعني كلمة «الختر» أشد الغدر وأسوأه. وانظر البيت في مجاز القرآن ٢ / ١٢٩ والقرطبي ١٤ / ٨٠ والبحر المحيط ٧ / ١٨٢ والطبري ٢١ / ٤ والكشاف ٣ / ٢٣٨ وتفسير ابن كثير ٣ / ٤٥٣ ، ومجمع البيان للطبرسي ٧ / ٥٠٥ وديوانه (١٠٩).
(٦) ذكر هذا الخبر ابن منظور في اللسان : «خ ت ر» ١٠٩٩ بصيغة : «لن تمد لنا شبرا من غدر إلا مددنا لك باعا من ختر».
(٧) في «ب» الغدر.