قوله : (الَّذِي أَحْسَنَ) يجوز أن يكون تابعا لما قبله في قراءتي الرفع والخفض ، وأن يكون خبرا آخر وأن يكون خبر مبتدأ مضمر ، وأن يكون منصوبا على المدح.
قوله : «خلقه» قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (١) : بسكون اللام ، والباقون بفتحها (٢) فأما الأولى ففيها أوجه :
أحدها : أن يكون «خلقه» بدلا من : (كُلَّ شَيْءٍ)(٣) بدل اشتمال والضمير عائد على (كُلَّ شَيْءٍ) وهذا هو المشهور.
الثاني : أنه بدل كل من كل. والضمير في (٤) «هذا» عائد على «الباري» تعالى ، ومعنى «أحسن» حسن لأنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما يقتضيه الحكمة ، فالمخلوقات كلها حسنة (٥).
الثالث : أن يكون (كُلَّ شَيْءٍ) مفعولا أول ، و «خلقه» مفعولا ثانيا ، على أن يضمن «أحسن» معنى أعطى وألهم. قال مجاهد : وأعطى كل جنس شكله ، والمعنى خلق كل شيء على شكله الذي خص به (٦).
الرابع : أن يكون (كُلَّ شَيْءٍ) مفعولا ثانيا قدّم و «خلقه» مفعولا أول أخّر على أن يضمن «أحسن» (٧) معنى ألهم وعرّف.
قال الفراء : ألهم كل شيء خلقه (٨) فيما يحتاجون إليه فيكون أعلمهم ذلك. (وقال أبو البقاء : ضمن (٩) «أحسن» معنى «عرّف» وأعرب على نحو ما تقدم إلا أنه لا بدّ أن يجعل الضمير) لله تعالى ، ويجعل الخلق بمعنى المخلوق أي عرف مخلوقاته كلّ شيء يحتاجون إليه فيؤول المعنى إلى معنى قوله : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه : ٥٠].
الخامس : أن تعود الهاء على «الله» تعالى وأن يكون «خلقه» منصوبا على المصدر المؤكد لمضمون الجملة (١٠) كقوله : (صُنْعَ اللهِ) [النمل : ٨٨] ، وهو مذهب سيبويه
__________________
ـ الغيب وأبو زيد برفع «عالم» وخفض «العزيز الرحيم» على أن يكون ذلك عالم مبتدأ وخبر ، و «الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» بدلان من الهاء في «إليه.
(١) مشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ١٨٦ ، وإعراب القرآن للنحاس ٢ / ٢٩٢ والسبعة ٥١٦ والإتحاف ٣٥١ والنشر ٢ / ٣٤٧ وحجة ابن خالويه ٢٨٧.
(٢) وهم نافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وانظر المراجع السابقة.
(٣) البيان ٢ / ٢٥٩ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ١٨٦ و ١٨٧ والتبيان ١٠٤٨.
(٤) المشكل ٢ / ١٨٦.
(٥) البحر المحيط ٧ / ١٩٩.
(٦) المرجع السابق.
(٧) الدر المصون ٤ / ٣٥٦.
(٨) انظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٣٠ و ٢٣١.
(٩) ما بين القوسين ساقط من «ب» وانظر : التبيان ١٠٤٨.
(١٠) انظر : مشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ١٨٦.