دون غيره وكذلك الفؤاد محل الإدراك وله نوع اختيار يلتفت إلى ما يريد دون غيره ، وإذا كان كذلك فلم يكن للمحل في السمع تأثير ، والقوة مستبدة (١) فذكر القوة في العين والفؤاد ؛ (لأن للمحل نوع (٢) اختيار ، فذكر المحل لأن الفعل مسند إلى المختار ألا ترى أنك) تقول : سمع زيد ، ورأى عمرو ، ولا تقول : «سمع أذن زيد» ولا «رأى عين عمرو» إلا نادرا لأن المختار هو الأصل وغيره آلته (٣) ، فالسمع أصل دون محله لعدم له لاختيار له والعين كالأصل وقوة الإبصار آلتها والفؤاد كذلك وقوة الفهم آلته فذكر في السمع المصدر الذي هو القوة ، وفي الإبصار والأفئدة الاسم الذي هو محلّ القوة ولأن السمع قوة واحدة لها محل واحد ولهذا لا يسمع الإنسان في زمان واحد كلامين على وجه يضبطهما ويرى في زمان واحد صورتين فأكثر ويتقنهما (٤).
قوله تعالى : (أَإِذا ضَلَلْنا) تقدم خلاف القراء في الاستفهامين (٥) ، والواو للعطف على ما سبق فإنهم قالوا محمد ليس برسول ، والله ليس بواحد وقالوا : الحشر ليس بممكن ، فالعامل في «إذا» محل تقديره (٦) «نبعث أو نخرج» لدلالة : (خَلْقٍ جَدِيدٍ) عليه ولا يعمل فيه (خَلْقٍ جَدِيدٍ) ؛ لأن ما بعد «إنّ» والاستفهام لا يعمل فيما قبلهما ، وجواب «إذا» محذوف إذا جعلتها شرطية (٧). وقرأ العامة «ضللنا» بضاد معجمة ، ولام مفتوحة بمعنى ذهبنا (٨) ، وضعنا من قولهم : ضلّ اللبن في الضرع وقيل : غيّبنا ، قال النابغة :
٤٠٦٣ ـ فآب مضلّوه بعين جليّة |
|
وغودر بالجولان حزم ونائل (٩) |
والمضارع من هذا : يضل بكسر العين وهو كثير ، وقرأ يحيى بن يعمر وابن
__________________
(١) في «ب» مستندة.
(٢) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٣) في «ب» مانع إليه.
(٤) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٧٥.
(٥) يشير إلى الآية (٥) من سورة الرعد وهي قوله : «أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ».
(٦) انظر : مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٨٧.
(٧) بخلاف لو كانت غير شرطية كالظرفية فتكون في موضع نصب «بضللنا» ويؤيد هذا قراءة «أئنا» على الإخبار. والمعنى : أنبعث إذا ضللنا في الأرض.
(٨) غريب القرآن لابن قتيبة ٣٤٦ والقرطبي ١٤ / ١١٠.
(٩) له من بحر الطويل وقبله :
فإن تحي لا أملك حياتي وإن تمت |
|
فما في حياة بعد موتك طائل |
وهو يرثي بهما النعمان بن الحارث الغساني. والشاهد فيه كلمة : «مضلّوه» أي دافنوه وهذه الكملة تؤكد معنى ضللنا فعلى هذا الرأي وهو التغيّب كما يغيّب المدفون في التراب. وانظر : ديوان النابغة ١٢١ و ٢٥٤ و «الجولان» موضع معروف بسوريّا ، وبعين جلية : أي بخبر صادق فالكرم والجود ذهبا بذهابه. انظر : القرطبي ١٤ / ٩١ واللسان : «ض ل ل» ٢٦٠٤ والكشاف ٣ / ٢٤٢ ورواية الكشاف : «وآب» بالواو.