مقاتل (١) : علم كيف يخلق كل شيء من قولك : فلان يحسن كذا ، إذا كان يعلمه. وقيل : خلق كل حيوان على صورة لم يخلق البعض على صورة البعض فكل حيوان كامل في خلقه حسن ، وكل عضو من أعضائه مقدر بما يصلح معاشه. واعلم أنه تعالى لما ذكر الدليل على الوحدانية من الآفاق بقوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) أتبعه بذكر الدليل الدال عليها من الأنفس فقال : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) يعني آدم ، ويمكن أن يقال : الطين ماء وتراب مجتمعان ، والآدمي (٢) أصله مني ، والمني أصله غذاء ، والأغذية إما حيوانية وإما نباتية (والحيوانية(٣) ترجع إلى نباتية) والنبات وجوده بالماء والتراب الذي هو الطين (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ) أي جعل ذريته من نطفة سميت سلالة ؛ لأنها تنسل من الإنسان ، هذا على التفسير الأول ؛ لأن آدم كان من طين ، ونسله من سلالة (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) أي ضعيف وهو نطفة الرجل (ثُمَّ سَوَّاهُ) سوى خلقه (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) يعني آدم ؛ لأن كلمة «ثمّ» للتراخي فتكون التسوية بعد جعل النسل من سلالة ، وذلك بعد خلق آدم ، ثم عاد إلى ذريته فقال : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) (أي (٤) جعل لكم بعد أن كنتم نطفا السمع والأبصار) والأفئدة (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) يعني لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه ، فقوله (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ) هذه التفات من ضمير (غائب) (٥) مفرد في قوله : «نسله» إلى آخره إلى خطاب جماعة. وفي هذا الخطاب لطيفة وهي أن الخطاب يكون مع الحي فلما قال : (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) خاطبه من بعد وقال : (وَجَعَلَ لَكُمُ).
فإن قيل : الخطاب واقع قبل ذلك كما في قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) [الروم : ٢٠].
فالجواب : هناك لم يذكر الأمور المترتبة وهي كون الإنسان طينا ثم ماء مهينا ، ثم خلقا مسوى (٦) بأنواع القوى فخاطبه في بعض المراتب دون بعض.
فإن قيل : ما الحكم في ذكر المصدر في السمع وفي البصر والفؤاد الاسم ، ولهذا جمع الأبصار والأفئدة ولم يجمع السمع ؛ لأن المصدر لا يجمع؟
فالجواب : أن السمع قوة واحدة ولها محلّ واحد وهو الأذن ولا اختيار لها فيه فإن الصوت من أي جانب كان يصل إليه ولا قدرة للأذن على تخصيص السمع بإدراك البعض دون البعض ، وأمّا الإبصار فمحلّه العين ولها فيه اختيار فإنها تتحرك إلى جانب (٧) المرئيّ
__________________
(١) وهو رأى السدي أيضا وانظر : زاد المسير لابن الجوزي ٦ / ٣٣٤.
(٢) في «ب» وآدم.
(٣) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٤) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٥) ساقط من «ب».
(٦) هكذا هي في تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٧٤.
(٧) انظر في هذا كله الإمام الفخر الرازي ٢٥ / ١٧٣ : ١٧٥.