قولا سيبويه (١) والفارسي ، والمعنى حين صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمصر.
قوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) هذا يصلح أن يكون جوابا لسؤال وهو أنه تعالى لما قال : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ) فكان لقائل أن يقول : كيف يهدون وهم اختلفوا وصاروا فرقا والحق واحد؟ فقال (الله) (٢) يبين المبتدع من المتبع كما يبين المؤمن من الكافر يوم القيامة.
قوله : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) يتبين لهم (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) لما أعاد ذكر الرسالة أعاد ذكر التوحيد وقال : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ) وقوله (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) أي مساكن المهلكين (دلالة على (٣) حالتهم) وأنتم تمشون فيها وتبصرونها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ) آيات الله وعظاته واعتبر السمع لأنهم ما كان لهم قوة الإدراك بأنفسهم والاستنباط بعقولهم فقال : (أَفَلا يَسْمَعُونَ) (يعني) (٤) ليس لكم درجة المتعلم الذي يسمع الشيء ويفهمه.
قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) قرى (٥) الجرز ـ بسكون الراء ـ وتقدم أول الكهف (٦). وهي الأرض اليابسة (٧) الغليظة التي لا نبات فيها ، قال ابن عباس : هي أرض باليمن (٨) ، وقال مجاهد : هي أرض بأنين (٩). والجرز هو القطع فكأنها المقطوع عنها الماء والنبات. لما بين الإهلاك وهو الإماتة بين الإحياء ليكون إشارة إلى أن الضرر والنفع بيد الله ثم قال : (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ) من العشب والتبن (وَأَنْفُسُهُمْ) من الحبوب والأقوات ، وقدم الأنعام على الأنفس في الأكل لوجوه :
الأول : أن الزرع أول ما ينبت للدواب ولا يصلح للإنسان.
الثاني : أن الزرع غذاء للدواب لا بد منه وأما غذاء الإنسان فقد يصلح للحيوان فكان الحيوان يأكل الزرع ثم الإنسان يأكل من الحيوان (١٠).
قوله : (أَفَلا يُبْصِرُونَ) قرأ العامة بالغيبة ، (وابن مسعود) (١١) بالخطاب (١٢) التفاتا.
__________________
(١) انظر الكتاب ٤ / ٢٣٤.
(٢) ساقط من «ب».
(٣) سقط كذلك من «ب».
(٤) ساقط من «ب».
(٥) ذكرت في البحر المحيط ٧ / ٢٠٥ وهي من الشواذ.
(٦) يقصد قول الله : «وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً» وهي الآية (٨).
(٧) انظر : مجاز القرآن ٢ / ١٣٢ وغريب القرآن ٣٤٧ ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٣٣ واللسان جرز.
(٨) تفسير القرطبي ١٤ / ١١٠.
(٩) تفسير القرطبي ١٤ / ١١٠ وقال عكرمة : هي الأرض الظمأى. وقال الضحاك : هي الأرض الميتة العطشى.
(١٠) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٨٧.
(١١) ساقط من «ب».
(١٢) ذكرها أبو حيان في البحر ٧ / ٢٠٥ والدر المصون ٤ / ٣٦٢.