الصلاة والسلام (١) ـ كان متقيا فما الوجه في قوله (اتَّقِ اللهَ)؟.
فالجواب : أنه أمر (بالمدينة (٢)) بالمداومة فإنه يصح أن يقال للجالس : اجلس ههنا إلى أن يأتيك ويقال للساكت قد أصبت فاسكت تسلم أي دم على ما أنت عليه ، وأيضا من جهة العقل أن الملك يتقي منه عباده على ثلاثة أوجه بعضهم يخاف من عقابه وبعضهم يخاف من قطع ثوابه وثالث يخاف من احتجابه فالنبي ـ عليه (الصلاة (٣) و) السلام لم يؤمر بالتقوى بالأول ولا بالثاني ، وأما الثالث: فالمخلص لا يأمنه ما دام في الدنيا فكيف والأمور البدنية شاغلة فالآدميّ في الدنيا تارة مع الله والأخرى مقبل على ما لا بد منه وإن كان معه الله وإلى هذا أشار بقوله : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) [الكهف : ١١٠] يعني (٤) برفع الحجاب عني وقت الوحي ثم أعود إليكم كأني منكم فأمر بتقوى توجب استدامة الحضور ، وقال المفسرون : نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور (٥) عمرو بن أبي (رأس المنافقين) بعد قتال أحد وقد أعطاهم النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الأمان على أن يكلموه فقام (معهم (٦)) عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعنده عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزّى ومناة وقل إن لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربّك فشق على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قولهم فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي في قتلهم (٧). فقال : إني قد أعطيتهم الأمان. فقال عمر : اخرجوا في لعنة الله وغضبه وأمر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عمر أن يخرجهم من المدينة فأنزل الله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) أي دم على التقوى كما يقول الرجل لغيره وهو قائم : «قم (٨) قائما» أي اثبت (٩) قائما ، وقيل : الخطاب مع (١٠) النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والمراد الأمة ، وقال الضحاك معناه : اتق الله ولا تنقض العهد الذي بينك وبينهم.
قوله : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) أي من أهل مكة يعني أبا سفيان ، وعكرمة وأبا الأعور ، والمنافقين من أهل المدينة عبد الله بن أبي ، وطعمة (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً)(١١)) بخلقه قبل أن يخلقهم حكيما فيما دبره لهم.
فإن قيل : لم خص الكافر (١٢) والمنافق بالذكر مع أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ينبغي أن لا يطع أحدا غير الله؟.
فالجواب من وجهين :
__________________
(١) في «ب» صلىاللهعليهوسلم ومجد وشرف وكرم وبجل وعظم.
(٢) زيادة لا معنى لها.
(٣) زيادة من «ب».
(٤) في «ب» أي.
(٥) أسباب النزول للسيوطي ١٣٦.
(٦) ساقط من «ب».
(٧) في «ب» أضرب عنقهم.
(٨) في «ب» أقم ها هنا.
(٩) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٨٩.
(١٠) القرطبي ١٤ / ١١٥.
(١١) ساقط من «ب».
(١٢) في «ب» الكافرين والمنافقين بصيغة الجموع.